– لا أدرى ما الذي دفعني الآن للكتابة عن جورجي زيدان ذلك الكاتب الأرمنى النصراني اللبناني الشهير.

– هل دفعتني تلك الهوجة التي أثارها النصارى وكنيستهم حول صاحب رواية عزازيل لأنه كشف دموية القسس القدامى مع خصومهم.. بينما يريدون أن يظهروا حتى في تاريخهم على غير حقيقتهم بمظهر الحملان الوديعة.

– أم هو ذلك الانتشار لتلك الروايات التي لا تكاد ترى مكتبة أو بائعا للصحف إلا وعرضها بأبخس الأثمان – حاجة ببلاش كده – على خلاف ما هو معروض من الكتب ليتعلم المسلمون تاريخهم من ذلك الكاتب الحقود.

– وجورجي زيدان لمن لا يعرفه هو أحد مفكري القرن التاسع عشر وبدايات العشرين (1861 – 1914) ولد في بعض قرى لبنان والتحق بالكلية السورية الإنجيلية (يسمونها الآن الجامعة الأمريكية).. حيث التحق بكلية الطب وتركها للصيدلة ثم جاء مهاجراً لمصر حيث عمل بالمخابرات البريطانية مترجماً على حد قولهم.. حيث كان يعرف بجانب العربية الفرنسية والإنجليزية والسريانية والعبرانية.. وصحب حملة إنجليزية للسودان ذهبت لنجدة القائد الإنجليزي اللورد جوردون من حصار المهديين.

– ثم عاد ليتقلب في أنواع كثيرة من الأعمال.. حيث عمل محررا بجريدة الترجمان وهى الجريدة اليومية الوحيدة التي لم تتعرض لمصادرة الاحتلال.. ثم في جريدة الزمان وأدار مجلة المقتطف التي اشتهرت بموالاة الإنجليز.. وعمل مدرسا للغة العربية لمدة عامين.. ثم انتهى به المطاف إلى إنشاء مجلة الهلال ومطبعتها (سميت بعد ذلك دار الهلال).

– أما عن مؤلفاته فقد كتب إلى جانب رواياته موضوع حديثنا (22 رواية في تاريخ الإسلام) كتبا في كثير من المجالات.. فكتب (تاريخ مصر الحديث) في مجلدين.. و(تاريخ الماسونية).. وكتبا في تاريخ كل من انجلترا واليونان والرومان.. وفى طبقات الأمم.. وفى جغرافية مصر ولكنها كتب لم تحرز شهرة تذكر.

– أما عن سلسلة رواياته في تاريخ الإسلام فإن الحديث عنها قد لا تحتمله تلك السطور البسيطة.. ولكنني سأكتفي ببعض العموميات التي تشترك فيها تلك الروايات.. ولأترك للقارئ أن ينتبه إلى ما يخص كل رواية على حده.

– أكثر الروايات تدور حول عاشقين تحول بين اجتماعهما حوائل وعوازل.. يطوفان في أماكن وتواريخ.. ثم يلتقيان أو يموتان والتاريخ هنا خلفية لتلك الرواية.

– وهو في اختلاقه لتلك الرواية لا يبالى أين تقع.. فهو يجعل بيبرس مثلا ينازع الخليفة غرامه حول جارية نصرانية (شجرة الدر).. أو يجعل من محمد ابن أبى بكر عاشقا لنصرانية أخرى منافسا لمروان ابن الحكم ( 17 رمضان).. أو يصنع قصة حب لعبد الرحمن الغافقى قائد معركة بلاط الشهداء (شارل وعبد الرحمن).. وهكذا لا تجد قصة تخلو من ذلك لا يوقر فيها عظيما أو قائدا من قادة المسلمين دون أن يكون لتلك القصص أي سند من نص أو تاريخ.

– وهو يختار من تاريخ الإسلام عصور الفتن والحروب ليعرضها خلفية لقصصه متجاهلا عصور الاستقرار والازدهار ليجد فرصته للحديث عن القتل وسفك الدماء وتصوير المسلمين بشتى صور التشويه.

– فكتب عن مقتل سيدنا عثمان وسيدنا على رضوان الله عليهم (17 رمضان).

– وعن مقتل الحسين وحادث الحرة (غادة كربلاء).

– وعن هزيمة المسلمين في الأندلس بموقعة بلاط الشهداء (شارل وعبد الرحمن).

– وعن إزالة الدولة الفاطمية وما استتبعها من أحداث (صلاح الدين ومكايد الحشاشين).

– وعن نهايات الدولة العثمانية (الانقلاب العثماني) وغيرها.

– يدخل الأديرة والكنائس بصورة متكلفة في قصصه ليتحدث عن الهدوء والسكينة والاستقرار والأمان فيها.. وليلجأ إليها أبطال قصصه لينعموا بأمانها وليبتعدوا عن عنف وإرهاب وتوتر الاحتكاك بالعالم الخارجي وخاصة من المسلمين.. انظر مثلاً قصة (فتاة غسان – أرمانوسة المصرية).

– يختار من كتب التاريخ ما يساعده على خدمة النظريات الاستشراقية المعادية للإسلام.. بغض النظر عن صحة ما أخذ أو ضعف مصدره.. بل كثيرا ما يضيف أو يحذف أو يعدل أو يختلق في تلك الوقائع ليوافق هواه.. انظر مثلا إلى قصة العباسة أخت الرشيد والانقلاب العثماني أو (المملوك الشارد).

– في الوقت الذي يهمش ويتجاهل عظماء الإسلام ويحاول إخبات صوت إنجازاتهم العظيمة “انظر رواية صلاح الدين التي لم يذكر فيها شيئا عن انتصاراته وخاصة حطين ولا إصلاحاته”.. تجده يبرز المنحرفين والمهمشين والمبتدعين في نفس القصة يبرز الحسن الصباح الباطني.. ويجمل صورته.. ومثل رواية (فتح الأندلس) وتهميشه لشخصية ودور طارق ابن زياد قائد الفتح.

– هو عادة يدعم بصياغاته لقصصه روح الشعوبية وفرق المبتدعة والخارجين عن الدين.. فهو يركز في حديثه عن صلاح الدين على كرديته.. وفى الأمين والمأمون على الفرس تزيينا لهم في مواجهه العرب.. وهو يزين البربر في مواجهه العرب في (شارل وعبد الرحمن) وفى (فتح الأندلس).. وكذا وهو يجمل الشيعة في روايته (شجرة الدر).. ويعتبر غزو التتار لبغداد نتيجة تقصير الخليفة المستنصر رغم محاولات ابن العلقمى – هكذا زعم – أن يأخذ بيده ويعالج قصوره.. وهو يزين الباطنية في (صلاح الدين ومكايد الحشاشين ).

– هو عادة ما اجتمع في قصة من قصصه العرب ومن عداهم من فرس أو روم أو بربر إلا وانتقص من العرب وقلل من شأنهم.

– في رواية (الانقلاب العثماني) كان دائما ما يسمى يهود الدونمة والماسون ورجال الإتحاد والترقي بالإصلاحيين.. بينما يصف السلطان عبد الحميد بكل الصفات الرديئة من استبداد وسفك الدماء وغيرها.. وهو اتجاه يوافق تلك الدعاية الهائلة والكاذبة التي قادها الغرب ضد السلطان المظلوم.

– وكذلك هو دائما يصف المماليك في أي رواية يعرض لهم فيها وخاصة روايته (المماليك) بكل النقائص والتي اخترع أكثرها من خياله وليس لها أي أصل تاريخي.. وذلك موافق لحقد الغرب عليهم لأنهم حولوا البحر المتوسط لبحيرة إسلامية يدفع كل من يمر فيه الجزية للمسلمين.. ولكل قصة حديثها مما لا يتسع له المقام ولا يستحق كل هذا الاهتمام وفى الإشارة ما يغنى عن التفصيل.

– وبعد أنا لا أدعو إخواني لعدم قراءتها ومثيلتها.. ولكن أدعو من يقرأها أن ينتبه لمثل هذه الأشياء فيها لكي لا تفسد عليه معرفته بتاريخه.. فإنه لا يعرف الإسلام من لا يعرف الجاهلية كما قال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه.

من أسامة حافظ

رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية - مصر