التعسف في استعمال الحق «لا ضرر ولا ضرار»

لعل أكثرنا يذكر رائعة شكسبير الشهيرة «تاجر البندقية» ويذكر كيف تقدم المرابي اليهودي شيلوك ليقتطع رطلاً من لحم مدينه استنادا لشرط شرطه على نفسه إن تأخر في سداد دينه وكيف وقف القاضي عاجزاً عن منع شيلوك من ذلك لأن المذهب الفردي الذي سننت به القوانين يلزم العاقد تنفيذ العقد مع ما في تنفيذه من تعسف واضح في استيفاء حقه .

وفى الوقت الذي كانت أوروبا تتخبط في قضية الحقوق واستيفائها وكيف أنها وفى القرن التاسع عشر توصلت إلى هذا المبدأ فطارت به فرحاً -مبدأ منع التعسف في استعمال الحق- وفى الوقت الذي لازالت أوروبا والغرب تقصر قوانينهم عن هضم هذا المعنى فتترك كثيراً من صورة في القانون كان (الرسول العظيم محمد صلى الله علية وسلم) يقول لأصحابه «لا ضرر ولا ضرار» وكانت كتب الفقهاء المسلمين تمتلئ بقواعد مستنبطة من هذه القاعدة ومسائل تتفرع عليها حتى أنه قيل إنه لا يوجد في الشريعة حق إلا ووضعت علية القيود التي تمنع منع التعسف في استيفائه.

نعم رغم أن شرعنا ربط الحقوق بواهبها سبحانه فأضفى عليها قدسية تلزم من علية الحق بأدائها إلزاماً دينياً إلي جانب الالتزام القضائي وقسم الفقهاء الحقوق إلى حقوق لله وحقوق للبشر وحقوق نمزج بينها إلا أن استيفاء هذه الحقوق لابد وأن ينظر إلي الواقع ومصلحة المجتمع ككل وليس لنية ومصلحة صاحب الحق فقط .

نعم لقد ارتفعت شرعتنا في هذا المجال حتى أن فقهاءها كانوا يناقشون منع التعسف في استيفاء حقوق البشر من الحيوانات في تسخيره وذبحه وإطعامه وغير ذلك.

وبعد فعن أي شيء نتحدث وما هي قاعدة منع التعسف في استعمال الحق؟

الأمر ببساطه إن المصالح التي يرمى إلى تحصيلها صاحب الحق إذا كانت قليله الأهمية بحيث لا تتناسب مع المفاسد والأضرار الواقعة على الغير فإن استعمال الحق هنا يكون غير مشروع ولا بد من مسائلة صاحب الحق عن الأضرار المترتبة على ذلك.

وللتعسف في استعمال الحق صور أبرزها

1ـ أن يستعمل حق لا يقصد من ذلك إلا الأضرار بالغير وليست له مصلحة شرعية فيه كمن يستخدم حق في القصاص ليتهم أحدهم بما يضر بسمعته دون وجه حق.

2ـ أن يستخدم حقاً مشروعاً لتحقيق غرض غير مشروع .

كمن يستخدم حقه في البيع والشراء ويبيع سلعه عاجلا بسعر ثم يشتريها بسعر أكبر متحايلاً على الربا

فيما يسمى ببيع العينة والسلعة هنا ليست مقصودة بيعها أو شرائها وإنما هو يأخذ مبلغاً من المال حالا ويرده بالزيادة.

3ـ أن يقصد لتحصيل مصلحة مشروعه ولكن ضررها بالأخر يكون أكبر كمن يستغل حق في البيع بالسعر الذي

يريد دون تحديد للسعر فيحتكر سلعه ويفرض على الناس ما يريد من أسعار مضراً بهم

4ـ أن يستعمل حقه الطبيعي المشروع استعمالا غير معتاد فيترتب علية الضرر

كمن يحمل الراحلة المؤجرة فوق طاقتها فيتلفها أما إن كان الاستعمال معتاداً فلا ضمان.

هذه نمازج وصور من التعسف في استعمال الحق والشريعة لم ترتب على ذلك أثراً أخرويا فقط وإنما جعلت لذلك التعسف أثاراً قضائية؛

 نسوق منها.

أـ التعويض إن أدى هذا التعسف إلى إتلاف نفس أو مال

ب ـ الإبطال إذا كان في التعاقد كبيع العينة أو الوصية في مرض الموت بقصد الحرمان من الميراث لبعض الورثة

ج ـ رفع الضرر إن كان يمكن رفعة

د ـ التعزيز كما في دعاوى التشهير التي أشرنا إليها

هـ ـ المنع من ممارسة الحق كمنع المفتى الماجن من الإفتاء والطبيب الجاهل.

وبعد ففي شريعتنا كنوز ولكن تحتاج إلى من يغوص في البحث عنها.

من أسامة حافظ

رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية - مصر