ناقشت مع صديق لي منذ فترة قيمة الأفعال الرمزية، وبعض الأفعال الجزئية؛ في خضم المواجهة بين المستكبرين والمستضعفين، وهل هي عديمة القيمة أم لا!

وسبب النقاش أن كثيراً من الناس -خاصة رواد الإنترنت- يسفهون ويهدرون كل قيمة لأي موقف جزئي أو كلمة مكتوبة أو مقولة؛ بدعوى أن هذا لن يغير الواقع، ولن يسقط الأنظمة المستبدة!

بل واستدل علينا بعضهم بكلمة حكيمة للشيخ رفاعي سرور طيب الله ثراه ورحمه، وكانت من آخر ما سطر بيده،

ولعلها كانت آخر بيعته مع الله، كما عاش طيلة عمره:

(الطواغيت لا تؤثر فيهم الأفعال الرمزية، ما داموا آمنين في قصورهم، فينبغي أن نبايع لا على الجهاد، بل على الموت).

وكان ردي بادي القول؛

أن أقوال الرجال يستدل لها ولا يستدل بها مستقلة عن الدليل؛

ولو كانت أقوال مشايخنا ومن نعتز بمواقفهم وتربينا على أيديهم،

فالله عز وجل يقول في هذا المعنى حاضاً على النيل من أعداء الله بكل وسيلة:

(ولا يطئون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين).

فأي موطئ أو فعل أو قول يغيظ المجرمين أعداء الله والإنسانية؛ هو عمل صالح وفاعله محسن إن فعله ابتغاء مرضات الله،

وهذا ما فهمه علي ابن أبي طالب وهو يهدم الصنم في صحن الكعبة وفي ظل فتنة الاستضعاف،

وما فهمه أبو ذر وهو يجاهر طواغيت قريش بالحق، وما ترجمه ابن مسعود كذلك،

بل كان هو لحن نشيد بلال تحت سياط الظلمة في بطحاء مكة.

بل كانت مخالفة أهل الكتاب من قبلنا في أكثر أفعالهم وأقوالهم -رغم كونها رمزية- من هذا القبيل،

وكذلك الإنكار القلبي ولازمه من اعتزال المنكر ولو لم ينطق صاحبه كلمة واحدة أو يتخذ موقفاً عدائياً تجاه المنكر.

غابت عنهم عدة أمور

وأما قول الشيخ رحمه الله فرأيي أن من يستدلون به في إبطال كل قول أو عمل يرونه رمزياً أو جزئياً؛ لم يفهموه على وجهه؛

كما غابت عنهم عدة أمور:

فكلام الشيخ يعني بوضوح أن إسقاط الطواغيت لن يتأتى بهذه الأفعال الرمزية، وهذا صحيح تماماً،

وإن كان لا يعني التقليل من قيمتها وعدم فعلها،

وإنما ينبغي عقد العزم على مواجهتهم لا بنية إقصائهم وتحصيل نصر حاسم فحسب؛ فقد يمضي على هذا الطريق شهداء كمن مضوا.

وإنما نبع قول من قالوا هذا من مثال حالم يتصورونه؛

أن الطغاة يسقطون بعمل كوني جبار يأتيهم كالضربة القاضية،

سواءً كان قدرياً محضاً، أو كان بفعل جحافل جارفة ليست موجودة في الحقيقة إلا في مخيلتهم،

وحين توجد تلك الجموع فإنها ستكون نتاج تراكمات هذه الأفعال والمواقف والاحتشاد من خلالها للمواجهة الكبرى التي تسقط الفراعين وأئمة الجاهلية.

من د. خالد سعيد

أحد أبناء الحركة الإسلامية - مصر