«مذكرات نوبار باشا».. بوسعي القول -من دون مبالغة- إن هذا أحد أكثر الكتب إمتاعا وفائدة من بين قراءات السنوات الخمس الماضية.

ومرد ذلك أن ترجمة الكتاب من الفرنسية بالغة العذوبة، والتقديم بالغ الإفادة، أما المذكرات نفسها ففيها كل الإثارة من رجل عمل مع سبعة حكام تعاقبوا على حكم مصر: من محمد علي إلى عباس حلمي الثاني مرورا بإبراهيم وسعيد وعباس وإسماعيل وتوفيق.

نوبار باشا من أسرة أرمنية ثرية، ولد في أزمير بتركيا وتلقى تعليمه في فرنسا.

مذكرات نوبار باشا

وأرسل له خاله بوغوص باشا، الذي كان وزيرا للتجارة والخارجية في عهد محمد علي، دعوة ليفد إلى مصر ليعمل في بلاط الباشا.

وصل نوبار القاهرة وهو ابن 17 سنة، وظل يعمل ويترقى ويكتسب ثقة الحكام طيلة خمسين عاما، ومن ثم حوت مذكراته زوايا مهمة غير معروفة لدى أغلبية القراء.

الحقيقة أنني جئت هنا ليس بدافع قراءة مذكرات في التاريخ والسياسة، بل كنت أبحث عن معلومة تخص الأعمال الجغرافية في عهد الخديوي عباس حلمي الأول.

السنوات الأربع التي شغلها عباس في حكم مصر غامضة للغاية ومشوهة في كثير من المراجع، وتكاد المراجع التي تتحدث عنه تصنفه في خانة الشاب الانطوائي غريب الأطوار الشاذ جنسيا.

الفصول التي ذكرها نوبار باشا عن عباس أفادتني كثيرا، ووجدت فيها معالجة بالغة التوازن. كما أفادتني فصول الخديوي إسماعيل والكوارث التي تسبب فيها في جغرافية مصر السياسية والجيوبوليتيك بسبب حملاته في السودان.

ولأنه من الحماقة أن أحاول تلخيص كتاب حجمه 700 صفحة في 250 كلمة، فإنني أرشح الكتاب للتعرف عن قرب على نوبار باشا، الموسوم في التاريخ المدرسي والإعلامي والصحفي تارة بالخيانة والعمالة للاستعمار وتارة بالرجل المخلص لمصر وحياة شعبها، ذلك الشعب الذي كان نوبار يصفه بأنه يحيا حياة الطفولة: لا يثور أو يتمرد، وإن فعل فكل ما يتحصل منه «مشاغبات الطفولة»!

د. عاطف معتمد

من د. عاطف معتمد

أستاذ الجغرافيا الطبيعية بكلية الآداب جامعة القاهرة.