تعج الساحات الإسلامية الدعوية والحركية بالقيادات والدعاة المسلمين، ويتسابق المشايخ جزاهم الله خيرا في رفد كل منحى بخير عميم.

لكنك تلمس قصورا في عموم الشخصيات يحول دون تكاملها وتطورها بحيث تبقى في نفس الدائرة تدور!

لا شك بأن المجتمعات العربية والإسلامية تحتاج إلى رصيد من الدعوة والدعاة، ولكن نقص ذلك الرصيد ليس سببا في أزمتها الذاتية، فبيوت المسلمين لا تخلو من أم داعية وأب موجه وأخ يدعو الخير وأخت تحفظ القرآن.

فإذا كانت الأزمة الذاتية في واقعنا ليست بسبب نقص الدعاة ولا بسبب نقص القيادات الإسلامية -التي تملأ المساجد والجمعيات والطرقات- فأين النقص المخل؟

إنه ذلك العالم الرباني الذي يحمل هموم الناس، مستوعبا الأخطار الواقعة على الأمة، ومنحازا لها في تحديد المصالح والمفاسد المعتبرة، وهو ذلك العالم الذي تضبطه ربانيته فتحفظه على الصراط دون استخذاء أمام الأنظمة، ودون ممالأة لموضة الحركة الإسلامية في مناخ الأنظمة الحاكمة، ودونما كبر يمنعه من مراجعة فهمه وآرائه بحيث لا يتردد في التراجع العلني عما كان يتبناه لصالح ما بات يؤمن أنه حق، فالحق أحق أن يتبع.

عالم رباني منحاز لأمته يعي الأخطار الواقعة عليها ويحمل همومها ويسعى جاهدا لتصويب بوصلتها، لن يكون له أثر حتى لو بلغ علمه عنان السماء دون امتلاك شجاعة حكيمة في مواقفه السياسية الشرعية فيما يجب عليه دون سواه.

لا شك بأنه المطلوب رقم واحد في عموم مجتمعاتنا وبين حركاتنا الإسلامية التغييرية والتي فقدت فاعليتها وباتت مجموعة من القيادات والدعاة التي تتغذى على رصيد الخير في الأمة ، وتقفز من موقف لآخر بحسب المناخ السائد دونما ربانية العلماء!

الأمة ليست بحاجة إلى دعاة وقيادات تعي الحقائق وتجبن عند المواقف ، كما أنها ليست بحاجة إلى دعاة وقيادات تفتئت على الأمة بمواقف وأعمال دونما وعي بآثارها السلبية التي تهدر جزءا من رصيد الخير في الأمة.

الأمة وشعوب المنطقة ودولها بحاجة إلى عالم وعلماء يعيدون قراءة المشهد كله ليخرجوا بمقاربة مختلفة بعيدة عن قيود الجماعات الإسلامية وتجاربها سواء الإخوانية أو السلفية وما اعتراها من كوارث وسقطات.

مقاربة ترقى لصناعة موقف يقود الأمة في سياق جديد خارج رقعة الشطرنج التي رسمها الغرب وأوجد فيها آليات وأدوات ومناهج قادرة على التعامل مع كل حراك ومبادرة ليعيد من خلالها توليد الأزمات !

لن تنجو الأمة من عثراتها بأكوام الإسلاميين -رغم كل جوانب الخير فيهم- المتواجدين بكل الساحات طالما لما يأت بعد رجل من أقصى المدينة ليعيد قراءة الصورة ويصنع بوصلة جديدة قادرة على استيعاب الخير في عموم الأمة ، لا بوصلة قاصرة في مناهجها أو مستخذية في أحد جوانبها أمام أشكال الباطل التي تمزق شعوب الأمة وتحرف الجماعات وتهدر الطاقات !

والسؤال الذي يجب أن يطرح اليوم هو حول ماهية مشكلة الأمة التي تحول دون نهضتها رغم حجم الخير فيها ، والتي ما قامت وانتفضت في طلب نهضتها وعزتها إلا واستهلكت رصيدها بلا نتائج موازية بسبب قصور ذاتي فيها ، أو عوامل موضوعية لم تستوعبها أو كلاهما معا !

إن المطلوب رقم واحد في المشهد الإسلامي اليوم هو القادر على إبداع مقاربة جديدة تستوعب القديم وتدير الحاضر وهي بصيرة لا يهبها الله سبحانه إلا لعباده المتجردين.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أولياؤك ويذل فيه أعداؤك ، ويعمل فيه بطاعتك ، وينهى فيه عن معصيتك.

مضر أبو الهيجاء 22/12/2022