أعيد نشر ما كتبت يوم 10 أكتوبر الماضي ولا أزيد!

ما هي دلالات الفيديو الذي سُرب أو نُشر ويتكلم فيه الوزير الأول السابق والمترشح للرئاسيات عبد المجيد تبون عن تصوره للعلاقات الجزائرية الفرنسية؟

 

هذا الفيديو مهم جدا وله دلالات مهمة لإدراك مسارات العلاقات الجزائرية الفرنسية في أبعادها المختلفة..

 

وهو ليس موجها للشعب الجزائري أو موجه للشعب بشكل جزئي، لكنه مفيد لنا كثيرا لفهم عدة أمور:

 

منها أن الملف الفرنسي هو الملف الأول الذي يجعل المرشح يمر أو يسقط في الرئاسيات ولولا ذلك لما غامر عبد المجيد تبون بذلك الكلام الذي يدرك جيدا انه سوف يغضب الشعب الجزائري ويدرك جيدا انه كلام لا يقال البتة بله ان يقوله رئيس دولة مستقلة تتمتع بالسيادة وهو يعلم أن الواقع يكذبه مليون مرة. بل إن من عادة المرشحين لرئاسة يزايدوا بالوطنية في مثل هذا الكلام ومثل هذه المواقف (إلى درجة الشوفينية على حد تعبير تبون نفسه) لكن عبد المجيد تبون أقام الندوة الصحفية لا لغرض دعائي تجاه الشعب ولكنه ليقدم في كلمتين واضحتين برنامجه الحقيقي في العلاقات الجزائرية الفرنسية.

 

وعبد المجيد تبون ليس بالرجل الجديد في السياسة، وليس بالرجل الأبله، وهو يعلم أننا نعيش حالة احتلال كامل غير منقوص ويعلم أن ذلك الكلام الذي قاله عن علاقة بين دولتين مهمتين كلام خرافة، ويعلم أن العلاقة الوحيدة التي تصورها فرنسا ويمر على أساسها الرئيس المعين هي علاقة التبعية في السياسة وفي الاقتصاد وفي الثقافة ويعلم أننا محتلون لغويا واقتصاديا وسياسيا وثقافيا من فرنسا وعملائها، وهو إنما قال ذلك الكلام ليقدم دلالات ودلائل الولاء أولا وليقدمه رسالة تطمين وولاء لحزب فرنسا وعملائها وأنصارها في الداخل ثانيا.

 

ومن الدلالات المهمة أن طريقة تقديم وعرض العلاقات الجزائرية الفرنسية قد تغير جوهريا. نحن نعلم أن كل الحكومة الجزائرية بدون استثناء كانت داخلة في الخطة الفرنسية بشكل أو بآخر وحتى في عهد بن بلة وفي عهد بومدين قدمت لفرنسا تنازلات خطيرة في ما يخص البترول وفيما يخص السيادة على الموانئ وفيما يخص التجارب النووية في الصحراء والتجارب الكيميائية في منطقة بشار وفيما يخص ملفات أخرى. نقول هذا بكل مرارة، ونقول هذا دون أن ننزع أبدا صفة الوطنية عن بن بلة ولا عن بومدين ولكنها حقائق التاريخ التي لا يمكن أن نسكت عنها بعد اليوم. لكن العلاقات في ذلك الوقت كانت على المستوى الإعلامي تتميز بخطاب خصومي صدامي، وكانت فرنسا تقبل أن تكون العلاقات بذلك الشكل لأن الاستقلال كان قريبا وذكريات مجازر وفظائع فرنسا لم تكن بعيدة أبدا وكان “التطبيع” مع الشعب الجزائري حلما بعيدا.

 

لكن الظاهر فرنسا لم تعد تقبل بمثل هذا الكلام، ولا بذكر ماضيها الاستعماري والمجازر ولذلك فان الخطاب الرسمي الجزائري تحول إلى خطاب مسالم متجاوز للماضي دون مقابل، غير معتبر للخلاف ولا للوقائع، ويريد أن يتعامل في مع فرنسا – ضد منطق السياسة والتاريخ – على أساس الند للند!

 

سي عبد المجيد نسا (بمعنى نسي، تذكروا أغنية الشهداء يعودون هذا الأسبوع): نسيان للثورة والضحايا والنساء المغتصبات وكل الملفات!

 

وندوات عبد المجيد تبون تبين لنا بشكل لا مراء فيه أن هذا المرشح يدرك أن المرور للرئاسيات لن يكون عبر الصناديق أو سيكون عبر الصناديق لمن تزكيه الدولة العميقة ثم بعد ذلك يأتي دور الصندوق لأجل الشرعية الشعبية التي أصبحت ضرورية في ظل الحراك الشعبي المبارك. وربما ستكون الانتخابات نظيفة تقنيا لان الدولة العميقة عندما تستطيع أن تزور بالانتخابات النظيفة تقنيا فإنها لن تلجأ إلى الأساليب الأخرى.

 

وعبد المجيد تبون يثبت لنا من خلال تلك الندوة الصحفية من جهة أخرى أن العصابة -التي هو جزء منها- تنظر بعين الاحتقار للشعب الجزائري وتنظر بعين الازدراء للمثقف الجزائري ولا تبالي به أبدا ولا تحسب له أي حساب في الموازنات السياسية.

 

كلام عبد المجيد تبون إذا ترجمناه باللغة السياسية كلام شخص متغطرس يقدم برنامجا معاديا للحراك وللشعب الجزائري ويقدم برنامجا يتجاهل كل حقائق الاحتلال ويقدم خطابا بوتفليقيا بامتياز كما كان فخامته يخاطب الصحافة دون أن يجرؤ أحد على البوح بما في داخله من أسئلة.

 

وهو في الأخير خطاب موال لفرنسا تابع لها منخرط في برنامجها بامتياز، ولذلك فإن صعود عبد المجيد تبون سيكون دليلا صارخا على استمرار المنظومة التي ثار الحراك لتفكيكها.

د. علي حليتيم

من د. علي حليتيم

كاتب جزائري، ومدير مركز الشهاب للدراسات والبحوث