آن الأوان أن نفصل بين الأمازيغية -كلفة وثقافة-

وبين من ينتحل الانتماء إليها، ويدعى الدفاع عنها ،ويتبجح بنضال لم يخضه يوما إلا على الكراسي الوثيرة، والقاعات المكيفة.

بل آن الأوان أن ننزع ذلك القناع المزور، الذي يخفي من ورائه مآرب مدنسة، وأغراضا نجسة من مثل اتخاذ هذه الثقافة منطلقا للتهجم على إسلام الأمة وحضارتها.

وعلى الأمازيغين الأحرار أن ينفضوا أيديهم من تلك الطفيليات الضارة التي تتغذى على قضيتهم، وتتخذها منبرا لنفث سمومها وشرورها.

أنا لا أجادل أن الأمازيغية ثقافة إنسانية عريقة، تتضمن تراثا مجيدا من الحكم العميقة ، والأمثال المضروبة، وتجارب ثرية، وحمولة من الفكر الإنساني الرائد.

ولازلت أنا مولعا بكثير من تقاليد هؤلاء الناس تشجيني أغانيهم، وأتذوق فنونهم، وأستمتع بلغتهم.

ذلك لأنها ثقافة شكلت وعيا منذ المهد إلى اليوم، وعرفناها عن كثب، ورضعناها من الأمهات منذ الصغر.

ويحمد لهذه الثقافة الضاربة بجذورها في هذه الأرض منذ آماد سحيقة أنها تكيفت مع ما مر بها من أحداث ووقائع، وأحوال وإنها من بعد الفتح الإسلامي لهذه الأرض، تفاعلت مع الحضارة الآتية، وتثاقفت وتلاقحت، أثرت وتأثرت، وحافظت على صبغتها، وعمقها وأصولها، وتواءمت مع مرونة الإسلام، وسعة رؤيته، ورحابة أفقه، وكانت فاعلا أساسيا ومشاركا في بناء حضارة الإسلام، وتعزيز مكانه،

في سطور التاريخ الذي لا يكذب، لن ننسى عكرمة ولا سابقا البربري ولا أم أبي جعفر المنصور ولا طارق بن زياد مرورا بالمرابطين، وعلى رأسهم يوسف بن تاشفين -الإمام الضخم والسيد الجليل وأمير المسلمين- صاحب الإمبراطورية الأمازيغية الإسلامية الحاكمة- والذي ذكر المؤرخون أنه لا يعرف العربية ، وأن الشعراء مدحوه بعد معركة الزلاقة.

فسئل عما يقولون فقال: لا أدري إلا أنهم يطلبون الخير .

ومرورا بالموحدين الكرام، الذين شهد لهم التاريخ بالحفاظ على الإسلام السني، وتنقيته من كثرة الفروع، وربطه بالأصول الأولى.

والمصادر الأساسية. وكان لهم حزم في الدفاع عن الأمازيغية، وجعلها لغة الدولة الرسمية، وإلزام الناس بتكلمها وتعلمها، وأنه لا يحق لخطيب أن يرقى المنبر إن لم يتعلم الأمازيغية.

وانتهاء بسيدي حمو الطالب، وعبد الكريم الخطابي ومحمد بن عبد الكريم ووقوفا عند الأستاذ الجليل المسلم محمد شفيق.

لم نريد أن نمحو في حالة استهتار ومجون وجنون هذه الصفحات المشرقة من تاريخ الأمازيغية، وأن نقتلع تاريخا مجيدا كهذا، من وجدان المسلمين، وأن نبت الصلة بكل هؤلاء القوم؟ .

حين نقف في خندق معاداة الدين، ونتنكر لحضارته وشرائعه، نكون قد قفزنا من فترات الوثنية والمسيحية والجاهلية، إلى الدخول في عتمات العلمانية المارقة، وظلماتها الدامسة الحالكة، ونكون قد خنا تاريخنا الحقيقي، وأجدادنا الأبرار، وأسلافنا الكبار، وأسلمنا خطواتنا للتيه والضياع.

لقد قاد «العروبيون» مثل هذا الانفصال الأخرق بين العربية ودينها وسلخوها عن أصولها، وادعوا بالعربية فضلا ومكانة بعيدا عن الإسلام الذي جمعها من شتات، ونفخ فيها روحا، وأمدها بالبقاء والنماء والتطور والاستمرار، فجحدوا تلك اليد، وغمطوا تلك النعمة، واختاروا لها منحى عنصريا بغيضا، سرعان ما تكشف عن رماد وخراب وسراب،

 إن الإسلام هو الهوية الحقيقة، هو الانتماء للفطرة، والانسجام مع الذات، هو الجواب عن الأسئلة الحائرة، هو الأمان من الهاوية

 أبي الإسلام لا أب لي سواه، إذا افتخروا بقيس أو تميم

ليتكلم كل أحد بما يشاء، وليعبر عن نفسه بما يريد ، شرط أن لا يجعل للسانه قدسية، ولا أن يتخذه دينا يوالي عليه أو يعادي.

ويؤسفني أن بعض أهلنا من الأمازيغ لم يفهموا جيدا عقبى انفصال هويتهم عن دينهم، ولا آثار ما يدعو إليه العلمانيون من تفكيك النسيج الأخلاقي وتفتيت أواصر القربى بين الأمرين، وفتح الأبواب -على مصارعها- للتغريب والتخريب.

إن الأجداد الكرام قاتلوا المحتل الفرنسي والإسباني والبرتغالي، لتبقى لهم لغتهم، ويسلم لهم دينهم، والذي يفرق بينهما اليوم يخونهما معا.

 وفي الآونة الأخيرة نبتت بعض نابتة السوء في أوساط هذه الثقافة، فتقمصوا دور «مسيلمة الكذاب» وصاروا يناطحون الشرع، ويدعون إلى إلغائه ونبذه، ونفض اليد من هدايات السماء، ووحي الله المطهر، ويخيرون الناس إما بين «الفلكلور» الوثني، وإذكاء العصبية العمياء، أو بين اللحاق «بالغرب» والأخذ ببلائه وغبائه ومن أبى ذلك الانبطاح فهو على موعد مع الاتهام بالتخلف والرجعية والظلامية وما شئت من قاموس الشيطان الذي يوحي به لأوليائه ، وإني أستغرب أن الأمازيغيين -المعنيين بشأن الثقافة- يتجاهلون أكاديميا هاما مثل محمد شفيق – الماهر في اللغات والتمكن من أدواتها، والعاكف على شجون هذه الثقافة، والباعث لها من كبوتها، والميسر لها بجهوده.

ويطيب لهم أن يتحلقوا حول «نكرات» وإمعات، وطبول فارغة ، ينفخون في خوائهم المثقوب، ويلمعون وجوههم الغبرة في محاولة يائسة لتصوير الدمى في صورة الأبطال.

حتى إذا اقتربت مما يعبدون خرجوا من جحورهم يولولون ويصرخون.

 «قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين».

آن لكم يا صحابي أن تكفوا عن تمجيد الهراء، وأن تتخلصوا من علامات الوباء.

أمرتهم أمري بمنعرج اللوي.. فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد.