منذ أيام قليلة أفرجت النيابة المصرية عن جميع أقارب النائب أحمد الطنطاوي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية الذين تم اعتقالهم مؤخرا للضغط عليه للتراجع عن فكرة الترشح، لكن خبر الإفراج عنهم لم يحظ بنفس الزخم والاهتمام الإعلامي في مصر الذي حظيت به أخبار اعتقالهم، لأن الهدف هو ترويج خبر الاعتقال وليس الإفراج، فالمطلوب هو إيصال رسالة للرأي العام الداخلي وأيضا الخارجي، بأن المعركة الانتخابية المزمع حدوثها بين عبد الفتاح السيسي وأحمد الطنطاوي على منصب رئاسة الجمهورية، ليست مصنوعة، وأن الطنطاوي لن يكون مرشح الكومبارس الذي سيستخدمه السيسي كما استخدم سابقيه حمدين صباحي 2014، وموسى مصطفى موسى 2018، وإنما منافسته للسيسي حقيقية وشريفة وليس فيها أية شبهة تحايل على إرادة الشعب المصري، وأن السيسي سينجح فيها بمجهوده وبالصندوق، والدليل هو اعتقال أقارب أحمد الطنطاوي!!

قبل أن تبدأ الاستنتاج من الآن وتعتقد أن مقصدي هو القول بإن خوض الطنطاوي للانتخابات، هو أمر مدبر ومخطط له بين الطنطاوي وأجهزة السيسي، عليك أولا أن تسأل سؤالا يفترض أنه بديهي، وهو لماذا لم تقبض أجهزة السيسي على الطنطاوي مباشرة وتوفر تعبها ومجهودها في ملاحقة أقاربه للضغط عليه من أجل التراجع عن فكرة الترشح، خاصة وأن الطنطاوي أصبح الآن موجودا في مصر بعد عودته الإرادية من لبنان بعد فترة هجرة قصيرة قضاها بالعاصمة بيروت؟!

فالسيسي سبق واعتقل «الأجعص» منه وهو الفريق سامي عنان رئيس أركان حرب الجيش المصري سابقا لأنه تجرأ وقرر الترشح لرئاسة الجمهورية، كما أن السيسي سبق وأعلن أنه لن يترك الكرسي إلا بخروج السر الإلهي، وهو القائل أيضا “اللي هيقرب منها هشيله من فوق الأرض” فما الذي تغير ليتراجع السيسي ويقبل بمنافس يفترض أنه قوي ويحظى بشعبية يراها البعض قادرة على إحراج السيسي، وربما الإطاحة به.. ما الذي استجد، هل يخاف السيسي من أحمد الطنطاوي؟!

قبل الإجابة، علينا أولا الإقرار بأن وقوع الاختيار على أحمد الطنطاوي للقيام بدور المنافس للسيسي هذه المرة وليس شخص أخر، سيكون اختيار له وجاهته ومنطقه، لا سيما أن الطنطاوي يملك مجموعة من المواصفات التي تسهل مهمة التلبيس على الناس بأنه مرشح مستقل وليس مدفوعا به من السلطة، فالطنطاوي اشتهر بمواقفه الوطنية المحترمة منذ بدأ مشواره السياسي، وزادت بعد أن اشتد عوده ودخل البرلمان، وهي مواقف دفع ثمنها لاحقا بالخروج منه، كما أنه يعد السياسي المصري الوحيد الذي استطاع أن يهاجم السيسي داخل مصر قبل أن يهاجمه خارجها، كما أن طريقة كلامه ولغة جسده وسماته الشخصية تشير إلى إنه صاحب شخصية حادة، صلبة، متشددة في مواقفها، عصية على التطويع، وأنه يملك مقومات قيادية تتعارض مع احتمالية قيامه بدور المحلل أو الكومبارس!!

نعم، هناك الكثير ممن يرون أن خوض الطنطاوي للانتخابات الرئاسية، يأتي في سياقه الطبيعي، ومن ثم يستبعدون فكرة أن يكون هناك ترتيب بينه وبين أجهزة السيسي، إلا أن هناك العديد من الشواهد والقرائن التي تنسف هذا الاعتقاد، وتؤكد أن العملية تتم وفقا لخطة محكمة وضعتها أجهزة المخابرات، للدفع بالطنطاوي كمنافس للسيسي بطريقة تضمن لنظام السيسي أن يرى الناس ترشح الطنطاوي طبيعيا وليس به شبهة تربيط، مثلما حدث مع سابقيه صباحي وموسى، وهنا سأذكر بعضا من هذه الشواهد وليس جميعها، لأنها عديدة..

أولا: أحمد الطنطاوي عندما قرر الاستقالة من حزب الكرامة في 2014 كان سبب الاستقالة المعروف للناس هو اعتراضه على خوض حمدين لانتخابات الرئاسة أمام السيسي معتبرا هذه الانتخابات مجرد “مسرحية”، وأن صباحي بخوضها يشارك في ترسيخ الحكم العسكري للبلاد.. هذا كان موقفه 2014 فما الذي تغير في 2024؟!

ثانيا: الطنطاوي يعلم أكثر من غيره أن هناك عشرات الأهداف التي يتطلع المصريون لتحقيقها قبل التطلع لكرسي السلطة، وهي أهداف يفترض أنها تبدو في نظر السلطة الحالية أقل بكثير من هدف كرسي الرئاسة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وحق الناس في حرية التعبير، وحق التظاهر، والتعددية الحزبية، وحرية الإعلام، وكلها أهداف يرفض النظام المساس بها أو الاقتراب منها أو حتى التفاوض حولها، فهل تعتقد أنه سيقبل التفاوض حول كرسي الرئاسة، الذي أزهق من أجله ألاف الأرواح، وأراق في سبيله بحورا من الدماء؟!!

ثالثا: من المؤكد أن مصر بها المئات وربما الألاف من عينة أحمد الطنطاوي، ومؤكد أن كثيرين منهم يملكون الدافع والإمكانيات أيضا لخوض الانتخابات الرئاسية، فهل سيُسمح لهم مثلما سمحوا للطنطاوي؟ المؤكد لأ!

رابعا: المفترض أن الطنطاوي عندما خرج من مصر فارا من جحيم السيسي، مثل الألاف الذين سبقوه بالفرار، اختار أن تكون وجهته هي العاصمة اللبنانية بيروت، وهو اختيار أثار وقتها الكثير من التساؤلات، لماذا بيروت بالذات، وهل يضمن أنه لن يتعرض لأذى من الأجهزة الأمنية هناك التي تربطها علاقات جيدة بالأجهزة الأمنية المصرية، لماذا لم يذهب إلى بلد أوروبي مثل غيره ليكون أكثر أمانا، وغيرها من التساؤلات التي لم تجد إجابات على الآن، وزاد من الشكوك تعرض بعض النشطاء المصريين الذين ذهبوا إلى بيروت في نفس فترة تواجد الطنطاوي لملاحقات أمنية من قبل الأجهزة الأمنية هناك مثل الناشط عبد الرحمن طارق الشهير بـ«موكا»، الذي تم التحقيق معه من قبل جهاز الأمن الداخلي اللبناني، لمعرفة أسباب مضايقته للسلطات المصرية، والمؤكد أن الذي ابلغ عن موكا هو الأجهزة الأمنية المصرية، فلماذا فعلت ذلك مع موكا الذي ليس له طموح في رئاسة مصر، بينما غضت الطرف عن شخص أخر أكثر خطورة على البلد باعتباره يسعى للحكم؟!

خامسا: عندما خرج أحمد الطنطاوي من مصر في أغسطس 2022، كان ذلك بعد أيام من نشر وسائل إعلام مصرية عن وجود ضغوط عليه للاختفاء من المشهد السياسي والخروج من مصر، لكنه عاد بعد تسعة أشهر فقط، دون أن يعرف الناس ما إذا كانت هذه الضغوط قد زالت أم لأ؟ وإذا كانت زالت فمن الذي أخبره بزوالها، وما هي الضمانات التي حصل عليها ليتأكد أنه لن يتعرض لأي ملاحقات أمنية بعد العودة؟!!

سادسا: أحمد الطنطاوي قال في أول يوم وصل فيه بيروت، إنه سيعود قريبا إلى مصر، بما يعني أن عملية عودته كانت معروفة من قبل الخروج، كما أن خروجه من البلاد تم في سهولة وسلاسة وفي وضح النهار ومن مطار القاهرة، ولم يكن مثل غيره من المعارضين الذين اضطروا للهرب عبر الحدود وواجهوا الأهوال من أجل الخروج من البلاد، منهم من قضى نحبه في الطريق، بما يشي بأن خروجه تم برغبة وإرادة النظام، ولو كان مثل غيره من السياسيين، لتم توقيفه بالمطار مثلما يحدث مع كل السياسيين المؤيدين قبل المعارضين، وكم من سياسي أراد الخروج فأعدوا له عدة، فمنعوه من السفر، أوضعوه على قوائم الترقب للتحقيق معه عند العودة، لمعرفة أين كان وماذا فعل؟! حتى عندما عاد من بيروت، فقد أعلن قبلها بأيام أنه عائد، بل وحدد موعد العودة، بما يعني أن الأجهزة الأمنية كانت تعلم مسبقا أنه عائد وتعرف موعد عودته، وقبل العودة كان قد أعلن عن نيته في خوض الانتخابات الرئاسية، ولذا كان الطبيعي أن يتم توقيفه عند العودة للتحقيق معه في أسباب الهروب ثم العودة، ولماذا قرر الترشح للانتخابات الرئاسية، ومن هي القوى الدولية التي تقف وراءه وتدعمه من أجل قلب نظام الحكم، باعتباره ينوي الترشح، لكن شيئا من هذا لم يحدث، فقد عاد للبلاد سالما غانما، ومن نفس المكان الذي هرب منه وهو مطار القاهرة، ومر عبر كل الأجهزة الأمنية التي مر عبرها عند الهروب، ومع ذلك لم يتم توقيفه أو سؤاله!!

والآن حان الإجابة على السؤال، هلي يخاف السيسي من أحمد الطنطاوي؟!

الإجابة بالقطع لأ، فالسيسي لا يخاف من الطنطاوي، ولا الطنطاوي عنده ما يخيف السيسي، غايته أن السيسي أراد أن يكون إخراج الانتخابات هذه المرة مختلفا عن سابقتيها، خاصة بعد ما جرى في الانتخابات الأخيرة التي كانت أمام “النكرة” موسى مصطفى موسى الذي جاء به السيسي من المجهول، حيث جاءت الانتخابات أقرب إلى المسخرة، وقد أساءت للسيسي ونظامه أكثر مما أساءت لمنافسه، لدرجة أن مؤيدي السيسي أنفسهم «استبوخوا» السيناريو، ورأوا أنه ركيك جدا، ولا يليق بنظام يملك كل الإمكانات والقوة التي تمكنه من تقديم سيناريو أكثر منطقية وقبولا لدى الناس..

ننتظر أفكارا أكثر إبداعا!

من أحمد سعد

كاتب صحفي مصري