ليس بالجديد القول إن مرتضى منصور المحامي الشهير ورئيس نادي الزمالك الحالي بصخبه العالي وجدله الدائم، هو صنيعة أمنية فائقة الجودة، فمرتضى منذ ظهوره على الساحة المصرية والناس كلها تعرف أنه صنيعة الأمن،يتم استخدامه منذ أكثر من عقدين من الزمان، في دور واحد وثابت هو إثارة أزمات وهمية وفرض قضايا جدلية،الهدف منها إلهاء الناس وشغلهم عن قضايا معيشية وسياسية مهمة!!

الصغير قبل الكبير في مصر يعلم ذلك جيدا، ويفهم أن ما يمارسه مرتضى من بلطجة، ويردده من ألفاظ خارجة، إنما يتم تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية، حتى في الحالات القليلة التي يتم فيها التصدي له وعقابه بعقوبة ما كالسجن مثلا، فهذا غالبا ما يكون لتجاوزه الخطوط الحمراء في مهاجمة بعض كبار المسئولين كما حدث 2007 عندما تم حبسه لمدة سنة بتهمة إهانة القضاء ممثلا في الراحل سيد نوفل رئيس مجلس الدولة، فيما كان السبب الحقيقي أنه تجرأ وهاجم الرجل القوي في مصر وقتها زكريا عزمي رئيس ديوان رئيس الجمهورية، وإن كان قد حصل فيما بعد على حكم برد الاعتبار في ذات القضية..أو يكون لتهدئة مؤقتة للرأي العام الغاضب من تجاوزاته تجاه شخصية مشهورة، كما حصل في فبراير الماضي بحبسه لمدة شهر بتهمة سب وقذف محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي،أو لمزيد من الحبكة بأن أفعاله تتم بعيدا عن أعين أجهزة الدولة وأنها قادرة على التصدي له وقت اللزوم..

في الظروف الطبيعية فإن المسجون -أي مسجون- عندما يخرج من السجن غالبا ما يتوقف عن تكرار الأفعال التي أدت به إلى السجن، وفي حالات قليلة ومع أصحاب السوابق ومعتادي الخروج على القانون «رد السجون» فإن المسجون قد يتوقف بضعة أيام بعد الخروج قبل استئناف نشاطه الإجرامي مرة ثانية، لكن في حالة مرتضى فهو يستأنف المهمة في نفس لحظة الخروج من السجن وربما يفعل وهو لا يزال في ملابس السجن،تماما كما حصل بعد فترة حبسه الأخيرة التي استمرت شهرا، فلم يكد يتسلم محضر إخلاء السبيل حتى أعلن تهديداته لنفس الشخص الذي سُجن بسببه وهو الخطيب، دون أن تردعه العقوبة بالحرمان من الحرية لمدة شهر، وهذا ما يؤكد أنه في مأمن من العقاب، وأن أفعاله تتم تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية، وأن كل ما يفعله، إنما هو خدمة وطنية عظيمة لإراحة السلطة الحاكمة من إزعاج الشعب!!

وأرجوك عزيزي القارئ ألا تتسرع في السؤال عن ماهية المكاسب التي يحققها مرتضى من وراء معاركه الدائمة و«مرمطته» المستمرة، لأن المكاسب لا تعد أو تحصى، وأول هذه المكاسب وأهمها هو حصده شهرة واسعة مقرونة بشخصية سلاحها الإساءة والتشهير بالخصوم مهما كانت أخلاقهم ومواقعهم، وهذا سهل له كمحامي الفوز بالعديد من القضايا الجنائية الكبرى والتي حقق من ورائها ثروة ضخمة، كما أنه وصل إلى مواقع ومناصب ما كان له أن يصل إليها في الظروف الطبيعية، مثل عضوية مجلس الشعب أكثر من مرة، ورئاسة نادي الزمالك وهو ثاني أكبر الأندية المصرية مع النادي الأهلي، ومكاسب أخرى عديدة لا يتسع المجال لذكرها، والأفضل أن أتركها لحصافة وخيال القارئ في توقع المكاسب المادية التي يمكن أن يحققها شخص مثل مرتضى منصور من خلال وجوده بمجلس الشعب ورئاسة نادي الزمالك..

استمرار مرتضى كل هذه السنين يمارس نفس المهمة وبنفس الهمة دون كلل أو ملل، مثل لغزا كبيرا للغالبية العظمى من المصريين خاصة البسطاء الذي يعجز تفكيرهم عن الاعتقاد بأن ما يقوم به من تصرفات خارجة ويردده من ألفاظ جارحة على الشاشات التليفزيونية يمكن أن يكون بعلم ورضا الأجهزة الأمنية، وربما يكون عندهم الحق، لأنه لا يخطر على بال عاقل أن يمارس المجرم إجرامه جهارا نهارا وأمام أعين الناس جميعا والكل يشهد على أن ما يمارسه هو جريمة، في حين الأجهزة الأمنية التي يفترض أنها تسمع دبة النملة في بلدنا لا ترى ما يفعل ولا تسمع ما يقول، لذلك تجد هذه الفئة هي أسعد الناس عندما يتم محاسبة مرتضى في جريمة ما، فهم يطمئنون على يقظة أجهزة الدولة!!

لكن وعلى قدر المهارة التي تستخدمها الأجهزة الأمنية في إخفاء علاقتها بمرتضى، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الأخطاء في التنفيذ والركاكة في الأداء، خصوصا عندما يُسمح لمرتضى بالهجوم على شخصية كبيرة بالدولة، غير مسموح لأحد الاقتراب منها قدحا أو حتى مدحا، لكن مرتضى يفعل ولا يسأل عما يفعل، وإذا كانت الأخطاء واردة والركاكة محتملة، فغير المحتمل هو أن يتعدى الأمر الأخطاء والركاكة إلى الإساءة إلى الدولة المصرية وامتهان مؤسساتها القضائية والتنفيذية، وهو ما حصل مؤخرا برفض مرتضى تنفيذ حكم محكمة واجب النفاذ صادر عن الدائرة الثانية بمحكمة القضاء الإداري يوم 16 أبريل الماضي بإلزام وزير الشباب ‏والرياضة أشرف صبحي بإصدار قرار وزاري بزوال عضوية مرتضى منصور كرئيس لنادي الزمالك، واستبعاده ‏من مجلس الإدارة، وذلك في الدعاوى المقامة من أعضاء بالجمعية العمومية لنادي الزمالك، وهم عبد الله جورج ومصطفى عبد الخالق وهاني شكري وإبراهيم سعيد عبد ‏الغني وحملت أرقام 70456 و70451 و70452 و70458 لسنة 76 قضائية، وهو الحكم الذي نفذه وزير الرياضة يوم 20 من نفس الشهر، بإصدار قرار بعزل مرتضى من مجلس إدارة الزمالك، القرار رقم 500 لسنة 2023..

ورغم مرور ما يقرب من الشهر على صدور الحكم القضائي والقرار الوزاري، إلا أن مرتضى لا يزال حتى كتابة هذه السطور في موقعه برئاسة نادي الزمالك، يمارس مهامه بشكل طبيعي ويتحدث في وسائل الإعلام بنفس الصفة، بل ويعلن تحديه العلني بالبقاء في موقعه، وأنه لن يستطيع أحد عزله، في تحد صارخ لحكم محكمة ودهس واضح لقرار وزاري، فماذا تبقى من هيبة الدولة؟

وتصل المسخرة مداها بنجاح مرتضى في إسقاط ورقة التوت التي كانت تستر عورة القيادة السياسية، وذلك بدعوته لحضور مؤتمر الحوار الوطني الذي دعا إليه عبد الفتاح السيسي، دون أن يعرف أحد ماهية الصفة التي حضر بها مرتضى المؤتمر، فالمؤكد أنه حضر بوصفه رئيس لنادي الزمالك، حيث دُعي للمؤتمر نفسه ولذات الجلسة محمود الخطيب رئيس النادي الأهلي،وهنا يٌطرح السؤال: كيف يتم دعوة مرتضى لمؤتمر يرعاه أكبر رأس في الدولة، بينما هو يتحدى الدولة ويهينها علنا، وهو في عُرف الدستور والقانون خارج على القانون لرفضه الامتثال لحكم قضائي ولقرار حكومي،هذا فضلا عن أنه فاقد للصفة التي دُعي على أساسها وهي رئيس نادي الزمالك؟!!

خارج على القانون وفاقد للشرعية ويتم دعوته لمؤتمر ترعاه رئاسة الجمهورية، مؤكد أن هذا لا يحدث إلا إذا كانت السلطة نفسها هي التي ترعاه وهي التي تشجع خروجه على القانون، وهو أيضا اعتراف رسمي من الدولة بأنه لا قيمة لمؤسسات الدولة وقراراتها!!

من أحمد سعد

كاتب صحفي مصري