إبراهيم أبو عواد

1- منهجُ التحليلِ الاجتماعي لَيْسَ أداةً للسيطرة على الإنسان،

وإنَّما هو آلِيَّة فكرية لتحرير الإنسان مِن سَطْوَةِ الأحلام المَقموعة، والصِّراعاتِ الشعورية المَكبوتة، مِمَّا يؤَدِّي إلى الحِفَاظِ على حَيَوِيَّةِ الروابط الوجودية بين الإنسانِ والبيئةِ المحيطةِ به،

وتفعيلِ العلاقات المصيرية بين العقلِ الجَمْعِي والوَعْي القَصْدِي، بِوَصْفِهَا قواعدَ رافعةً للبناء الاجتماعي،

وأنساقًا ثقافية تَحْمِي المجتمعَ مِن الاغترابِ عن طبيعته الإنسانية، وهويته الحضارية، وسلطته المعرفية.

ولا يمكِن للإنسانِ أن يَبْنِيَ أبعادَ شخصيته على قواعد البناء الاجتماعي، إلا إذا عَقَدَ مصالحةً بَين حرِّيته الإبداعية وسلطةِ المجتمع المعرفية،

وَصَنَعَ تاريخًا شخصيًّا لأحلامِه وشعورِه ووَعْيِه، يَحفظ التوازنَ بين المعاييرِ الأخلاقية والأنساقِ الثقافية،

لِكَيْلا يَحْدُثَ تآكُلٌ في شخصية الفرد الإنسانية، أو انحسارٌ في مصادر المعرفة التي تَتَحَكَّم بالترابطِ المادي بين مكَوِّنَات الطبيعة، والتواصلِ الروحي بين عناصر التاريخ.

2- تحريرُ الإنسانِ لا ينفصل عن حرِّية المجتمع.

والإنسانُ والمجتمعُ لا يستطيعان إدراكَ جَوْهَرِ الوجود -واقعيًّا وذهنيًّا- إلا بتحويل الأشكال البدائية للوَعْي الإنساني إلى تيَّارات فكرية قادرة على طرحِ الأسئلة المصيرية،

والجَمْعِ بين المَصلحةِ الشخصية والمَنفعةِ الجَمَاعِيَّة، ضِمْن فلسفة الفِعْل الاجتماعي الذي يعيد الاعتبارَ لإنسانيةِ الإنسان،

عن طريق تكريس الأحداثِ اليومية والوقائعِ التاريخية كإحساسٍ متَجَدِّد بقيمة الذات، وَلَيْسَ وسيلةً لخداع الذات.

وهذا يَعْني أنَّ العلاقات الاجتماعية لا تصبح أنظمةً حياتيةً فَعَّالَةً إلا إذا امتلكَ الإنسانُ القدرةَ على صناعةِ الحَاضِرِ،وعدمِ الهُروبِ مِن الماضي،

وامتلكَ المجتمعُ السِّيَادَةَ على مَسَارِه -جَوهريًّا وشكليًّا-.

وعمليةُ خِدَاعِ الذاتِ هي محاولة يائسة للإفلات مِن الحواجزِ الزمنية والحدودِ المكانية،

لأنَّ الإنسان لا يَتَحَرَّك في الفَرَاغ، ولا يوَلِّد أفكارَه مِن العَدَم. إنَّ الإنسانَ كائنٌ خاضعٌ لأنماطِ الحياة التي يفْرِزُها الزمنُ، وكَينونةٌ تابعةٌ للتَّنَوُّع الثقافي الذي يفْرِزُه المَكَانُ.

وبالتالي، مُوَاجَهَةُ الذاتِ أفضل مِن خِدَاعها، وإيجادُ أجوبة وجودية منطقية عن الأسئلة المصيرية أكثرُ جَدْوَى وأهميةً مِن الالتفافِ على الحقيقة، والتَّهَرُّبِ مِن التحديات.

3- الأساسُ الفلسفي لمنهج التحليل الاجتماعي يقوم على رُكْنَيْن :

تحرير الإنسان وحُرِّية المُجتمع، وهذا يَضمن انتقالَ الأحلامِ الفرديةِ والطُّموحاتِ الجَمَاعية مِن قَبْضَةِ الزَّمَن إلى أُفُقِ التضامن الاجتماعي، ومِن حَيِّزِ المَكَانِ إلى فضاءِ التفاعل الرمزي بَين اللغةِ والفِعْلِ، ومِن دوافعِ الغريزة إلى سِيَادَةِ المعايير الأخلاقية.

وعمليةُ الانتقالِ لا تَحْدُث بِمَعْزِل عن العقل الجَمْعِي، لأنَّه أساسُ التجانسِ الثقافي، ومَنْبَعُ التواصلِ اللغوي، ومَصْدَرُ الشُّعُورِ والوَعْيِ.

والعَقْلُ الجَمْعِي يمَارِسُ سلطةَ المعرفة في العلاقات الاجتماعية لتخليصها مِن الهَيمنة والتَّبَعِيَّة، ويَضَعُ الشروطَ لتحقيق المصلحة المشتركة بين الإنسانِ والمجتمعِ.

وهذه الشروطُ مترابطة معَ بنيةِ الواقع المعَاصِر،

الذي يقَدِّم فهمًا جذريًّا لمنظومةِ النَّقْدِ والنَّقْضِ الخَاصَّةِ بالسِّيَاق الزمني الذي نَشَأتْ فيه فلسفةُ الفِعْلِ الاجتماعي،

التي تَحْمِي الأحداثَ اليوميةَ والوقائعَ التاريخيةَ مِن التَّحَوُّلِ إلى سِلَعٍ ثقافية للاستهلاك الأيديولوجي.

وإذا كانَ الفِعْلُ الاجتماعي يفَسِّر الواقعَ المعَاصِرَ ويغَيِّره، باعتباره كِيَانًا فكريًّا احتماليًّا، ولَيْسَ شيئًا حتميًّا،

فإنَّ سلطة المجتمع المعرفية تفَكِّك شخصيةَ الإنسانِ وترَكِّبها، باعتبارها مَاهِيَّةً وجوديةً نِسْبِيَّةً،

ولَيْسَتْ حقيقةً مطْلَقَةً، مِمَّا يؤَدِّي إلى إعادة بناء شخصية الإنسان مِن مَنظور واقعي،

يتعامل معَ حيويةِ العقلِ الجَمْعِي كأداةٍ للإنقاذ، ولَيْسَ عِبئًا ثقيلًا يتمُّ التخطيط للتَّخَلُّص مِنه،

ويؤَدِّي -كذلك- إلى إعادة بناء التنظيم الاجتماعي مِن منْطَلَق عقلاني، يتعامل معَ انفجار الطاقة الرمزية اللغوية كآلِيَّة للخَلاصِ،

ولَيْسَ شِعاراتٍ رَنَّانَة يتمُّ المتاجرة بها لتحقيق مكاسب شخصية.

واتِّحَادُ المَنظورِ الواقعي معَ المنْطَلَقِ العقلاني يسَاهِم في اكتشاف جذورِ الحلْمِ الإنساني الذي تعيش فيه الأنساقُ الثقافية، ويَعيش فِيها،

كما يسَاهِم في مَنْعِ المجتمع مِن التَّحَوُّل إلى هِجْرَة وجودية مستمرة مِن الأحلام الوردية إلى الكوابيس المزْعِجَة.

من إبراهيم أبو عواد

كاتب من الأردن