دخلت المعارك في السودان أسبوعها الثالث، ولا تزال أصوات القذائف وإطلاق الرصاص تسمع كل يوم، رغم الاتفاق على هدنة لوقف إطلاق النار.

وأوقعت الحرب ما لا يقل عن 528 قتيلا و4599 جريحا، وفق أرقام أعلنتها وزارة الصحة، السبت، لكن يرجح أن تكون الحصيلة أكبر من ذلك.

ونزح حوالى 75 ألف شخص إلى الدول المجاورة مصر وإثيوبيا وتشاد وجنوب السودان وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فيما تنظم دول أجنبية عمليات إجلاء واسعة.

وغرق السودان في الفوضى منذ انفجر في منتصف أبريل الصراع الدامي على السلطة بين قائد الجيش، عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو الملقب “حميدتي”.

ومنذ بداية المعارك اتفقت القوى العسكرية وبوساطات دولية على أكثر من هدنة لوقف إطلاق النار، ولكنها لم تصمد أو تتحقق، والالتزام بها لم يتعد البيانات الصحفية من كلا الطرفين.

ويتبادل طرفا النزاع الاتهامات بانتهاك الهدنة الأخيرة التي تم تمديدها لمدة ثلاثة أيام بوساطة دولية، وتنتهي، الأحد.

 

لماذا لا تصمد الهدنة؟
الدبلوماسي السفير السوداني السابق لدى الولايات المتحدة، نور الدين ساتي، قال في تصريحات صحفية إن هدنة إطلاق النار في السودان “لم ولن تصمد” إذ إن كل “جانب يريد الاستفادة من عامل الوقت وحسم المعركة لمصلحته”.

وأكد أن الجيش وقوات الدعم السريع يريدان أن “يكون لهما اليد العليا إذا دخلا في أي مرحلة مفاوضات، رغم أن فرصها ضعيفة في الوقت الراهن”.

وانتقد ساتي استمرار المعارك التي لا ينتج عنها سوى “المزيد من المعاناة والضحايا بين صفوف المدنيين”، متخوفا من أن استمرارها يعني “تدمير العاصمة الخرطوم” على جميع الصعد.

وحذر رئيس الوزراء السوداني السابق، عبد الله حمدوك، السبت، من أن النزاع في السودان قد يتفاقم إلى إحدى أسوأ الحروب الأهلية في العالم في حال لم يتم وضع حد له.

وقال حمدوك في حديث مع قطب الاتصالات الملياردير البريطاني من أصل سوداني، مو إبراهيم، خلال مناسبة استضافها الأخير ضمن نشاطات مؤسسته للحكم والقيادة في نيروبي، “إذا كان السودان سيصل إلى نقطة حرب أهلية حقيقية.. فإن سوريا واليمن وليبيا ستكون مجرد مبارزات صغيرة”.

وأضاف “أعتقد أن ذلك سيشكل كابوسا للعالم”، مشيرا إلى أنه ستكون له تداعيات كبيرة.

واعتبر حمدوك أن النزاع الحالي “حرب لا معنى لها” بين جيشين، مؤكدا “لا أحد سيخرج منها منتصرا، لهذا السبب يجب أن تتوقف”.

المحلل العسكري السوداني، محمد عجيب، قال إن عدم الالتزام بالهدنة سببها بسيط بعدم وجود “آليات مراقبة تضمن تنفيذ وقف إطلاق النار، إذ لا يوجد أي رقابة حقيقية على حركة القوات العسكرية من قبل الطرفين”، وهو ما يترك المجال لكل طرف باتهام الآخر بخرق الهدنة.

وأضاف في حديث صحفي أن الجهات المتقاتلة “لا ترى في هذه الهدنة سوى أنها فرصة لإظهار موافقتها عليها أمام المجتمع الدولي من دون الحاجة للالتزام بها”، ناهيك عن أنها قد “تمثل لهم فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب صفوف معاركهم وإعادة التموضوع في أماكن عسكرية استراتيجية”.

وإذا كانت الهدنة لم تضع حدا للمعارك، فقد سمحت للممرات الإنسانية بالبقاء مفتوحة. وفي هذا السياق، أتاحت قافلة نظمتها الولايات المتحدة إجلاء مواطنين أميركيين ومن دول أخرى إلى بورتسودان.

 

المجتمع الدولي وفرض السلام
ويرى الدبلوماسي ساتي أن المجتمع الدولي لديه بعض الأدوات التي يمكنها تخفيف وطأة المعارك، وأبرزها “امتناع الأطراف الإقليمية والدولية عن تشجيع أو دعم أي من القوى المتحاربة للاستمرار في الحرب”.

ودعا المجتمع الدولي إلى “تصعيد الضغوط على القوى العسكرية لوقف الحرب، وأن يتم فرض عقوبات على أي جهة توفر لهما قنوات تمويل أو تسليح تطيل أمد المعارك”.

ويعاني السكان الذين يحاولون الفرار أو يقبعون في منازلهم، أزمات شاملة مع انقطاع المياه والكهرباء ونقص الغذاء.

وقال أحد سكان جنوب الخرطوم لوكالة فرانس برس “استيقظنا من جديد على أصوات الطائرات الحربية ومضادات الطائرات في كل الحي”.

وأكد شاهد آخر أن المعارك مستمرة منذ الفجر خصوصا حول مقر القناة التلفزيونية العامة في ضاحية أم درمان بشمال الخرطوم.

الخبير العسكري عجيب، يرى بدوره أن المجتمع الدولي “لا يولي ما يحدث في السودان أهمية كبرى خاصة في ظل انشغالاته بالحرب في أوكرانيا”.

وأضاف أن المجتمع الدولي حتى الآن “لم يوفر أدوات مؤثرة للسيطرة على ما يحدث في السودان، وفرض حالة من السلام”.

ولا يعتقد عجيب أن تصريحات بعض الدول الغربية حول فرض عقوبات دولية على جنرالات الحرب ستؤثر فعليا في مسار الأحداث، إذ ستبقى المعارك تحصد أرواح السودانيين المدنيين.

وأعلنت نقابة الأطباء السودانيين أن 70في المئة من المرافق الصحية في المناطق القريبة من مواقع القتال باتت خارج الخدمة والعديد منها طاوله للقصف.

 

وكان البرهان ودقلو قد أطاحا معا عام 2021 بشركائهما المدنيين بعدما تقاسما السلطة معهم منذ سقوط الرئيس عمر البشير عام 2019.
لكن سرعان ما ظهرت خلافات بينهما وتصاعدت حدتها، ومن أبرز أسبابها شروط دمج قوات الدعم السريع في الجيش، قبل أن تتطور إلى صراع مسلح في 15 أبريل.

وقال ممثل الأمم المتحدة في السودان فولكر بيرتيس في تصريحات إعلامية إنه لم يكن هناك “أي مؤشر” إلى اندلاع المعارك في 15 أبريل، وخصوصا أن طرفي النزاع كان مقررا أن يلتقيا في ذلك اليوم.

والسبت، دعا رئيس جنوب السودان سلفا كير، وهو وسيط تاريخي في السودان، الجنرالين إلى إجراء “حوار مباشر بناء وملموس”.

وحضهما أيضا على “عدم محاولة تعزيز مواقع”، علما بأن مراقبين عديدين لاحظوا أن أي هدنة لم تصمد لأن أيا من طرفي النزاع لا يريد أن يدع فرصة للآخر للتقدم أو استقدام تعزيزات.

الأمة ووكالات

من أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية