الفتاوى الدينية في الكويت أثارت جدلًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، وانشق المجتمع حولها بين مؤيد ومعارض، وبين من يعتبرها عادية ومنصفة، وبين من يراها عنوانًا لانتشار التشدد في الإمارة العربية.

 

وقبل أيام أفتى الداعية الكويتي، عثمان الخميس، بعدم جواز وضع المرأة صورتها بمواقع التواصل الاجتماعي كافة “حتى لو كانت محجبة”، وفي يوليو الماضي، أفتى أيضا “بعدم جواز إنشاء مجموعات واتساب مختلطة”.

 

وأفتى الخميس في وقت سابق بعدم جواز استخدام “الفلتر” لتصفية الصور وتعديلها عند تصوير الوجه عبر تطبيقات الهاتف المحمول، وعبر عن عدم تأييده للدراسة في الخارج بالنسبة للنساء.

 

وفي سبتمبر الماضي، صدرت ورقة عرفت باسم “وثيقة القيم”، ووقع عليها عدد من مرشحي مجلس الأمة.وجاءت الوثيقة قبل أيام من انتخابات مجلس الأمة (البرلمان) 2022، وصدرت عن شخصيات إسلامية في الكويت.

 

وتبرز تساؤلات عن انعكاسات هذه الفتاوى والوثيقة على الداخل الكويتي، وارتباطها بعودة مظاهر التشدد في بلد خليجي محافظ.

 

مظاهر التشدد

وفي هذا الإطار يقول المحلل السياسي، عبد الواحد الخلفان، إنه “بكل تأكيد بدأت مظاهر التشدد في العودة إلى الكويت”.

 

وقال في حديثه لموقع “الحرة” إن هذه المظاهر “بدأت بالظهور خاصة في موسم انتخابات مجلس الأمة، وعموما المجتمع الكويتي بطبيعته مجتمع محافظ، ولكن ليس متشدد”.

 

وأوضح الخلفان أن “هناك من يريد أن يحول المجتمع الكويتي إلى متشدد، وخصوصا بعد الانفتاح الكبير في السعودية، وباقي دول الخليج”.

 

وأضاف المحلل الكويتي “استغلت أيام الانتخابات لعمل وثيقة القيم التي أطلق عليها الطرف الليبرالي اسم وثيقة قندهار، وقد وقع عليها عدد كبير من المرشحين، وأثبتت تأثيرها في الانتخابات، بحيث فاز 17 نائبا من الذين وقعوا عليها”.

 

وبعد نجاح هؤلاء النواب الموالين للتيار الإسلامي في الكويت “شكلت لجنة مؤقتة تختص بالظواهر السلبية داخل مجلس الأمة، ودخل في عضويتها بعض النواب الإسلاميين المتشددين، وبدأ طرح بعض الأفكار (…) وفتاوى الشيخ عثمان الخميس تترافق في هذا السياق”.

 

وفي سبتمبر الماضي، وقبيل موعد الانتخابات التشريعية في الكويت، برزت إلى الواجهة ورقة عرفت باسم “وثيقة القيم”، وخلقت نوعا من التجاذب بين مؤيد ومعارض لها.

 

وتشمل بنود الوثيقة “تأييد المشاريع والقوانين الإسلامية والقيمية التي يقدمها النواب بمجلس الأمة، والعمل على تطبيق قانون منع الاختلاط وفصل مباني الطلاب عن مباني الطالبات، ورفض المهرجانات الهابطة وحفلات الرقص المختلطة المخالفة للآداب والذوق”.

 

كما تشمل “رفض المسابح والنوادي المختلطة في الفنادق وغيرها وتشديد الرقابة على محال المساج (التدليك)، والعمل على تفعيل قانون اللبس المحتشم في الجامعة (…) والعمل على وقف الأنشطة المتعلقة بخرافات الطاقة والممارسات الوثنية المعلنة”.

 

وفي إطار ردود الأفعال الرافضة لهذه الوثيقة، قال د. سعد بن طفلة العجمي، وزير الإعلام الكويتي الأسبق، إن “ما يسمى بوثيقة القيم هي وثيقة داعشية بامتياز، وعلى كل حريص على دولة القانون والدستور والحريات العامة والخاصة أن يرفض هذه الوثيقة بلا تردد، وثيقة قندهار”.

 

وقال الكاتب والحقوقي، أنور الرشيد، “اعتدنا في كل انتخابات أن تظهر لنا مثل هذه العرائض والوثائق لكي يتم تشويه الديمقراطية الكويتية”.

 

وأضاف في حديثه لموقع “الحرة” أن “مثل هذه الوثائق الكارثية تثير العنصرية وخطاب الكراهية مع الأسف”.

 

وفي مقابل الآراء المعارضة، برزت أصوات مؤيدة للوثيقة، وهناك بعض المرشحين قاموا بالتوقيع عليها.

 

وقال المرشح فهد محمد المهمّل، بتاريخ 6 سبتمبر “إيمانا منا بأن الثوابت الإسلامية هي قاعدة تبنى عليها التشريعات والقوانين .. وهي القيم والثوابت التي تمثل هويتنا الوطنية .. فمن هذا المنطلق وقعنا على وثيقة القيم، سائلين المولى عز وجل التوفيق والسداد”.

 

بدوره قال المرشح، أحمد حمد البديّح، في سبتمبر، “وثيقة القيم لأنها وثيقة تحافظ على الثوابت الشرعية والهوية الإسلامية تُحارب!”.

 

من جهته، قال الداعية الكويتي، عثمان الخميس: “اطلعت على وثيقة القيم ولم أجد ما يخالف شرعنا ولا قوانين البلاد، وأدعو للتصويت لمن يوقعها ممن تبرأ بهم الذمة من النواب”.

 

وفي شأن انعكاسات موجة التشدد، يقول الخلفان “أعتقد أن هذه الفتاوى والوثيقة تشكل مقدمات لملفات قادمة، لجعل السلطات أكثر تشددا في قضايا أخرى”.

 

من جانبه يقول الرشيد إن “مظاهر التشدد ليست جديدة على الساحة الكويتية من قبل اليمين المتطرف الديني، الذي يحاول قدر المستطاع السيطرة على المجتمع بدعم حكومي”.

 

واتهم الكاتب والحقوقي الكويتي، الحكومة بتقديم “الدعم للتيار الديني بشكل عام”، وأضاف أنه “الدليل على ذلك أن الحكومة تترك لهذا التيار مجالا واسعا لجمع التبرعات وفتح مقرات ودعمهم إعلاميا”.

 

وتابع: “من يشاهد القنوات التلفزيونية الرسمية الكويتية، يجد هناك العشرات من البرامج الدينية التابعة لهذه التيارات السياسية، وبالمقابل نحن كتيار مدني وليبرالي ويساري يتم التضييق علينا بكافة الطرق والمجالات”.

 

وخلافا للدول الأخرى في الخليج، تتمتع الكويت بحياة سياسية نشطة ويحظى برلمانها الذي يُنتخب أعضاؤه لولاية مدتها أربع سنوات، بسلطات تشريعية واسعة ويشهد مناقشات حادة في كثير من الأحيان.

الأمة-ووكالات

من أبوبكر أبوالمجد

صحفي مصري، متخصص في الشئون الآسيوية