يمكننا أن نرجع بشيء من الكاريكاتورية أطراف النزاع في الجزائر إلى ثلاثة أقطاب:

 

• أولا: القطب الديمقراطي الذي يسمي نفسه البديل الديمقراطي:

 

هذا القطب يتسم بالفُصام الشديد في فكره ومشروعه للمجتمع، فهو من جهة يدعو إلى الحرية والديمقراطية لكنه يعارض بشدة وصول الإسلاميين والوطنيين وحماة الهوية إلى السلطة، ولا يريد حرية التدين ويعادي نوفمبر وقيمه ( وإن كان لا يجاهر بذلك إلا همسا )، ولذلك فدعوته إلى الحرية والديمقراطية تحمل كثيرا من التناقض والفصام وتكاد تصل به إلى طريق مسدود بعدما خسر كل مخزونه الشعبي تقريبا واعتزل كثير من ناشطيه المشهد السياسي مع ما جرّه عليه تورطه في مجازر التسعينات من إدانة ولعنات.

 

وهذا التيار من جهة أخرى يدّعي انتمائه إلى الجزائر لكنه لا يعارض التدخل الأجنبي وله عمالات كثيرة مع فرنسا وارتباطات عضوية مع الحركة الانفصالية النشطة فيها، وهو لايعارض بل يتبنى القيم الغربية بالكلية ويدعو إلى فرض قيم العلمانية بالقوة على المجتمع الجزائري ولا يعارض الفرنسة إلى غير ذلك من كل ما يخدم التغريب والتجزئة والاستعمار.

 

وهذا التيار يعارض السلطة الجزائرية القائمة، ولكنها معارضة فيها كثير من الشذوذ، فالمتحكمون في الاقتصاد الوطني النافذون في السلطة هم من أقطاب هذا التيار أو ممن يقاسمونه بعض الأهداف أو ممن لا يعادونه على الأقل.

 

وهذا التيار يسيطر على وزارة الثقافة ووزارة الإعلام ووزارة التربية وغيرها من مفاصل السلطة. فهو يعارض السلطة ولكنه يقاسمها كذلك دواليبها، ومن أسباب معارضته أنه لا يريد تغيير الوضع القائم وإذا قبل فليكن إلى الأسوأ ونحو مزيد من في القهر ومن البطش في حق الشعب الجزائري مما يشكل له ميدانا خصبا للبزنس والمناورة و “إدانة الإرهاب”.

 

• الجهة الثانية هي السلطة القائمة

 

وهذه السلطة القائمة لا شك أنها واقعة في ارتباك كبير وفي تذبذب شامل في قراراتها وتوجهاتها، فهي من جهة تريد أن تساير الحراك الشعبي في أفكاره الوطنية وفي أفكاره حول الدولة المدنية المعاصرة التي يدعو لها وهي الدولة القائمة على العدالة المستقلة والحريات والسيادة للشعب ومحاربة الفساد ولا تخاصم الهوية والتاريخ وتستكمل الاستقلال الوطني المنقوص.

 

ولكن هذه السلطة لا تستطيع أن تساير الحراك تمام المسايرة في هذا التوجه لأن مكونها البشري هو ذات مكون النظام البوتفليقي لم يتغير لا في القليل ولا في الكثير، بمعنى أن الغالب الأعم على هذا المكون هو التلوث الفكري والفساد الأخلاقي والمالي وغير ذلك. ومن جهة أخرى فإن هذه السلطة مرتبطة ومرتهنة للخارج بكل ما في هذا الارتباط من عوائق على في طريق التغيير حتى ولو أرادت ذلك.

 

ومن جهة ثالثة فإن هذه السلطة متحالفة مع التيار التغريبي الاستئصالي الذي يمسك بالزمام في قطاعات كثيرة ( إن لم يكن في كل القطاعات )، ولذلك فإن هذه السلطة ترسل إشارات متناقضة جدا فهي من جهة تتبنى مطالب الحراك وأهدافه، ولكنها من جهة أخرى تسعى إلى حصاره ووقفه وإنكاره إعلاميا وسجن ناشطيه كلما سنحت الفرصة لذلك وتفرض خطتها كمخرج واحد ووحيد للخروج من الأزمة وهي الخطة التي يرفضها الحراك جملة وتفصيلا ويرى فيها إعادة تجديد للنظام البوتفليقي.

 

 أما الطرف الثالث فهو الحراك الشعبي الجزائري العظيم الذي سيكتب في الأدبيات السياسية والأدبيات الاجتماعية للثورات كنموذج فريد متفرد لثورة سلمية أعقبت حقبة سوداء من الحرب الشاملة على الشعب الجزائري. حرب على الهوية، وحرب على الثروات، وحرب على السيادة ،وحرب على الحرية. وهذه الحروب لا تزال مستمرة وإن بشكل أكثر خفاء، ولذلك فإن الحراك يراهن على عامل الزمن ويراهن على استنزاف القوى المعادية للثورة تدريجيا و ينشر وعيه الاستراتيجي في كافة الميادين و القطاعات ومكونات المجتمع الجزائري رويدا رويدا.

 

فهذا الحراك يلاحظ أن رصيده من الوعي والمكاسب يزداد يوما بعد يوم وإن بشكل بطيء، ورصيد القوى المعادية للثورة يتناقص يوما بعد يوم، ولا يكاد يبقى في رصيد خصوم الحراك إلا خطوات إجرائية تحولت هي نفسها بسبب عبقرية الحراك إلى وقود للثورة السلمية.

 

لكن هناك تفاصيل أخرى لا بد من ذكرها لأن الشيطان يختفي في التفاصيل، أذكرها في مقال آخر بإذن الله.

د. علي حليتيم

من د. علي حليتيم

كاتب جزائري، ومدير مركز الشهاب للدراسات والبحوث