حسن الدقي

(لله الأمر من قبل ومن بعد)

لقد أنبأ الله عز وجل عباده في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بسننه في الكون وكيف تعمل، ومنها سننه في علاقة الكفرة بعضهم ببعض، وفي مقدمتها سنن التدافع، التي لولاها لفسدت الأرض؛ ومع وضوح هذه الحقيقة في تاريخ الأمة المسلمة منذ فجر وجودها، فإن بعض النخب «الإسلامية» العربية باتت اليوم تبدي تخوفها بدلا من فرحها، فيما يحدث من صراع داخلي في روسيا، فهم يقولون: سوف تستفرد أمريكا والغرب بالعالم وبالمسلمين إن سقطت روسيا!!!،

وكأن الأرض لا تقوم والعياذ بالله تعالى إلا على (النظام الذي أنشأه الكفرة بعد الحرب العالمية الثانية)، فهم لا يتخيلون الأرض بدون روسيا، وكأنهم لم يشاهدوا جثث جنود الاتحاد السوفيتي منتفخة تأكلها النسور في سفوح أفغانستان، حتى ولى بقيتهم مدبرين بعد عشر سنين من دخولهم إلى كابل، وكأن المتخوفين من سقوط روسيا لم يشاهدوا بأم أعينهم جنود أمريكا يلهثون كالكلاب في جبال أفغانستان وقراها طوال عشرين سنة، حتى خرجوا منها يجرون أذيال الخيبة، وكأن المتخوفين من سقوط روسيا لم يشاهدوا صواريخ كاليبر تدك سوريا عام 2015 حتى تمكن النظام الإيراني والنصيري لعنهم الله والنظام العالمي قتل مليون سوري تحت المظلة الروسية اللعينة.

إن أمر الله عز وجل ماض في أمم الكفر وأقطابهم: (وهم من بعد غلبهم سيغلبون).

فالتدافع بينهم مستمر، ولا يهم من يغلب منهم، فمجرد صراعهم خير للأرض وللمسلمين خاصة، ويوشك أن يتحول نصر قطب منهم إلى هزيمة له بعد فترة، فهم أقطاب متعددة، كل قطب يسيطر على قطعة من الأرض، فإذا توقفوا عن الصراع وساد التوازن والتفاهم بينهم فسدت الأرض على الموحدين، وان تصارعوا صلحت، بغض النظر عن المنتصر والخاسر.

ولكن صلاح الأرض لا يتحقق بمجرد صراع أقطاب الكفر بينهم؛ وإنما لا بد أن يتبعه التحاق الأمة الوارثة بذلك الصراع، كما استفتح الصحابة رضي الله عنهم بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم دخولهم في التدافع بغزوة بدر الكبرى، وفي ظل رؤية بعيدة المدى أخبر عنها صلى الله عليه وسلم، بفتح جزيرة العرب وفتح فارس وفتح الشام، وهو ما مضى إليه الصحابة حتى دانت لهم الأرض، والسنن لا تتخلف فأين مشروع الأمة ورؤيتها العالمية، مقارنة بمشاريع أمم الكفر في الأرض، وأين خطة الصراع الشاملة التي ستواجه بها الأمة أمم الكفر؟

مع العلم بأن أمة الإسلام الآن ليست خارج ساحة التدافع، بل هي في بؤرتها، بدليل معركة أفغانستان الأولى والثانية، وبدليل الصراع الذي خاضته الأمة ولا زالت في جنبات الأرض ضد مشاريع الكفرة، وخاصة منذ افتتاحها لقرنها الخامس عشر الهجري إلى الآن، أي منذ أربع وأربعين سنة؛ ولا تزال أمام الأمة أشواط واسعة حتى تتمكن من التموضع في نظام التدافع الدولي، ولن يكون لها ذلك إلا إذا غادرت وهنها وغثائيتها، فإن تمكين الله عز وجل لها في الأرض لن يحدث بمجرد صراع أقطاب الكفرة فيما بينهم، وإنما بمغالبة الأمة المسلمة لهم، فإن فعلت فإن عاقبة النظام الدولي سوف تصب لصالحها حتما (ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم).

من حسن الدقي

أمين عام حزب الأمة الإماراتي