د. ونيس المبروك

سألني بعض الإخوة عن الحكم الشرعي لما تقوم به بعض المحلات التجارية في ليبيا،

حيث تسمح للمشتري بأن يحول مبلغا من المال في حساب المتجر،

على أن يعطيه التاجر المال نقدا،

ومثاله أن يشتري ببطاقته  شيئا بخمسين دينار ولكن التاجر يخصم من البطاقة مئة دينار، ويسلم المشتري خمسين نقدا.

أقول:

 أولا:

الأصل في البيوع والمعاملات هو الإباحة بخاصة إن كانت تحقق مصلحة للمتعاقدين،

ورفع الحرج عنهما وعن عامة المتعاملين بها، ولا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل على التحريم

ثانيا:

هذه المعاملة تحقق مصلحة للطرفين وبخاصة في الأوضاع الصعبة التي تسود البلاد،

وتعذر السيولة عند كثير من المواطنين، ولا أرى في هذه المعاملة حرمة أو فسادا.

ثالثا:

قد يظن السائل أن المعاملة جمعت بيعا وسلفا!

وهو أمرٌ منهي عنه شرعا، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف، وهذا ظن خاطيء -في تقديري- من وجوه:

1-  إن تحويل المبلغ من البطاقة لحساب التاجر وقبضه نقدا، لا يعد قرضا أو سلفا،

وقد يظن بعض الناس ذلك باعتبار أن التاجر لم «يقبض» المال إنما تحول إلى حسابه،

وهذا خطأ لأن انتقال المبلغ من البطاقة لحساب التاجر قد تم بالتحويل المصرفي الذي يُعد بحسب الأعراف المعاصرة قبضاً حكمياً،

وقد أقر ذلك  جمهور المعاصرين وأشهر المجامع الفقهية،

فالقبض -كما قال الإمام ابن قدامة رحمه الله-:

 «مطلق في الشرع، فيجب الرجوع فيه إلى العرف كالإحراز والتفرق»

وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي أن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً؛

«إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية».

2-   حتى لو ظن بعض الناس وجود بيع وسلف،

فإن جمهور الفقهاء على أن تحريم اجتماع البيع والسلف في عقد واحد يكون في حالة اشتراطه في عقد البيع شرطا لازما،

ومن بدائع النظر في الفقه المالكي القول بجواز مثل هذه العقود حتى في وجود الشرط إذا ما اتفق الطرفان على إلغائه،

أي أن العقد صحيح والشرط باطل؛

قال ابن عبد البر في الاستذكار «فإن ترك الذي اشترط السلف ما اشترط منه كان ذلك البيع جائزا»

3- قد تجتمع بعض المعاملات في عقود «مركبة» تجمع بين عدة أمور،

لكن اجتماع العقود لا يعني بالضرورة تلازم آثارها  أو حرمتها، ولهذا قال الإمام الماوردي رحمه الله: 

«البيع بانفراده جائز، والقرض بانفراده جائز واجتماعهما معا من غير شرط جائز،

وإنما المراد بالنهي بيع وشرط فيه قرض»

4- المعاملة بالبطاقات ذات الرصيد المؤكد،

وكذلك الشيكات القابلة للسحب،

لا يختلف عن النقود الورقية في المُجمل،

فقبض الشيك أو تحويل رصيد البطاقة كقبض النقود إذا تعارف الناس عليه وتوفرت حماية الحق بالقانون،

ولهذا قال أمامنا مالك رضي الله عنه كما جاء في المدونة

«ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة»

5- قد تدخل في هذه المعاملة شبهة التحريم إذا توفر في العقد أمران متلازمان معا لا ينفك أحدهما عن الآخر،

الأول:اشتراط تحويل مبلغ من المال عن طريق البطاقة مع شراء بضاعة في نفس الصفقة،

والثاني: علم التاجر والمشتري بعدم وجود مال في حساب المشتري أي أنهما جعلا جزءا من الانتفاع وجود بيع وسلف.

هذا ملخص رأيي في المسألة، متمنيا على بعض الفقهاء -كما كررت مرارا- أن يبحثوا عن مواطن التوسعة المشروعة،

ويتجنبوا التوسع في سد الذرائع بحجة الخوف من الربا، فالتوسع في سد الذريعة مجلبة للحرج، ومفسدة لحياة الناس كما التوسع في فتحها

والله أعلم، وعلمه أحكم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم