حمدي شفيق

من أقوى الأدلة على فضل أهل العلم ومكانتهم الرفيعة أن الله تعالى أشهدهم مع ذاته العليّة وملائكته على وحدانيته سبحانه، وهي أعظم شهادة في القرآن على أعظم مشهود به وهو التوحيد:

 {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.

(سورة آل عمران: الآية 18)..

قال العلّامة السعدي في تفسيره:

«في هذه الآية دليل على شرف أهل العلم من وجوه كثيرة، منها: أن الله خصّهم بالشهادة على أعظم مشهود عليه دون الناس،

ومنها: أن الله قرن شهادتهم بشهادته وشهادة ملائكته، وكفى بذلك فضلا، ومنها: أنه جعلهم أولي العلم، فأضافهم إلى العلم، إذ هم القائمون به المتصفون بصفته،

ومنْها: أنه تعالى جعلهم شهداء وحجة على الناس، وألزم الناس العمل بالأمر المشهود به، فيكونون هم السبب في ذلك،

فيكون كل من عمل بذلك نالهم من أجره، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء،

ومنْها: أن إشهاده تعالى أهل العلم يتضمن ذلك تزكيتهم وتعديلهم وأنهم أمناء على ما استرعاهم عليه». انتهى..

وقال الإمام ابن كثير: «هذه خصوصية عظيمة للعلماء في هذا المقام». انتهى.

وقال آخرون: «وفي هذه الآية دليل على فضل العلم وشرف العلماء، فإنه لو كان أحد أشرف من العلماء، لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته كما قرن العلماء». انتهى.

و كذلك شهد الله بأن العلماء العاملين هم أهل تقواه وخشيته سبحانه:

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}

سورة فاطر:28

قال ابن كثير، رضي الله عنه:

«أي: إنما يخشاه حق خشيته العلماء العارفون به، لأنه كلما كانت المعرفة -للعظيم القدير العليم الموصوف بصفات الكمال المنعوت بالأسماء الحسنى- كلما كانت المعرفة به أتم والعلم به أكمل، كانت الخشية له أعظم وأكثر». انتهى..

وقال ابن عباس رضي الله عنهما:

«العالم بالرحمن من لم يشرك به شيئا، وأحل حلاله، وحرم حرامه، وحفظ وصيته، وأيقن أنه ملاقيه، ومحاسب بعمله».انتهى.

وقال الحسن البصري، رضي الله عنه:

«العالم من خشي الرحمن بالغيب، ورغب فيما رغب الله فيه، وزهد فيما سخط الله فيه». انتهى..

وقال ابن مسعود، رضي الله عنه:

«ليس العلم عن كثرة الحديث، ولكن العلم عن كثرة الخشية». انتهى..

ولكُل ما تقدّم،فإن من البديهي أن تكون للعلماء العاملين منزلة رفيعة عند ربّهم:

{‏‏يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَ الَّذِينَ أوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ‏}.

(سورة ‏المجادلة‏:‏11‏)

ورفع الدرجات يكون بالعلم، كما أكد زيد بن أسلم رضي الله عنه..

وقال الإمام القرطبي في تفسيره:

«قوله تعالى: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات، أي: في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن، والعالم على من ليس بعالم..

وقال ابن مسعود:

مدح الله العلماء في هذه الآية.. والمعنى أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا و لم يؤتوا العلم درجات أي : درجات في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به». انتهى..

وكذلك جعل الله العلماء أوعية لحفظ كتابه الكريم:

{بَلْ هوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صدُورِ الَّذِينَ أوتُوا الْعِلْمَ}.

(سورة العنكبوت:49)..

وكفى بالعلماء العاملين فضلًا وشرفًا أن تكون قلوبهم

أوعية تحفظ الوحي الإلهي للناس جيلًا بعد جيل إلى يوم الدين. وكلّما رسخت الأقدام في العلم، زاد الإيمان بالله تعالى:

{وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَ مَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أولُو الْأَلْبَابِ}

(سورة آل عمران: الآية 7)..