خباب مروان الحمد

هنالك ملاحظة منهجية ناقدة لطريقة بعض الدعاة والوعاظ المعاصرين!

أمامنا أنواع وأنماط مختلفة في خطابهم الدعوي أسرد أوصافها:

1- منهم من لا يعرضون للناس في محاضراتهم إلا السنن والمستحبات الثابتة عنه ﷺ مع نوافل العبادات والمندوبات، والسن المؤكدة، والمهجورة…

2- بعضهم يهتم بالمواعظ المتعلقة بأهمية الدعاء، وفضل الذكر، وفضل الصلاة على رسول الله وما يتعلق بذلك من أجور وحسنات..

3- بعضهم ديدنه ببيان القيم التي تجمع الناس مع بعضهم بأخلاقيات العيش المشترك والتركيز على عبارات تهتم بها الهيمنة الغربية المعاصرة، مثل:

الإنسانية، المساواة، الحرية، الحضارة، التنمية، التقدم، التنوير، ومحاولة ربط ذلك بما في دين الإسلام.

4- يهتم بعضهم بالشيء المظهري، وذلك بضرورة لبس الثوب القصير إلى نصف الساق، وإطلاق اللحية وعدم أخذ شيءٍ منها، وضرورة لبس العمامة، وعكسهم تماماً من يرى أنّ المسلم المعاصر ينبغي أن يكون لديه إتكيت في اللباس لكي يجذب الناس لدينه وذلك بضرورة حلق اللحية! ولبس الملابس الشبابية العادية حتى يكون المرء قريبا من الناس!

كل ذلك جمهرة كبيرة من المسلمين يفهمون الإسلام فهماً منقوصاً قاصراً، لأنّهم قصّروا في بيان حقيقة ما يدعو إليه الإسلام وفلسفته وجوهره..

ومن آثار هذا الخطاب:

1- أنّ كل متلقٍ حسب مزاجه النفسي يهتم بنوعية الخطاب الذي يناسبه من أولئك الدعاة، مع ما لدى المتلقي من نقص حقيقي في فهم عقيدة الإسلام وما فيها من معاني التوحيد والانقياد لله، إضافة لتفريطهم بالقيام بالحقوق والواجبات والفرائض.

ومن أسباب ذلك: تركيز كثيرٍ من الدعاة على الموضوعات السابقة، وقلّة من يهتم منهم ببيان آثار العقيدة الإسلامية على الفرد والمجتمع، وبيان الحقوق والفروض الواجبة على المسلمين في علاقتهم مع ربهم، وفي علاقتهم مع أنفسهم، وفي علاقتهم فيما بينهم، وفي علاقتهم من غيرهم.

2- فئة أخرى ظنّت الدين: ما يُقال من تلك القضايا السابقة؛فاستهانت أصلاً بالدين، لأنها تعتبر الدين مجرد سنن وأذكار وقيَم ومظاهر؛ ورأته دين دروشة، أو ديناً يُمكن الاستغناء عن بعض حِكَمِه بمقولات فلاسفة الشرق والغرب وحِكَمِ كونفوشيوس وذوقيات بوذا وروحانيا براهما، وصارت تنظر للدين طريقة توصل المرء بالله على أيّ صورة كانت، ولم تفهم من الدين أنّه أعمق من ذلك.

ولذلك نجد هؤلاء القوم لا يقدر في قلوبهم شيء من تعظيم شرائع وحرمات دين الله؛ فالله غفور رحيم؛ وتواب رحيم، يغفر ويُسامح ويعفو؛ لذلك نجدهم فرّطوا بالعمل بالواجبات والحقوق، وتركوا فهم السنّة النبوية والطريقة التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والواجب على أولئك الدعاة إعادة النظر في خطابهم الدعوي قبل أن يقوموا بدعوة غيرهم، ومن ضرورات ذلك:

1- دراسة مفهوم السنّة باعتبارها المنهج والطريقة النبوية التي يلزم اتباعها والسير على خطاها، والخشية من الرغبة والنأي عن السنّة النبوية التشريعية الكاملة التي حذّر منها رسول الله فقال: (من رغب عن سنّتي فليس منّي ).

2- تحقيق وفهم الطريقة القرآنية في مجال الدعوة والإصلاح وبيان القضايا التي يُوليها القرآن الاهتمام البالغ، حتى تغدو طريقة الدعاة مستوعبة لاتّباع السنّة بمعنى الطريقة العامة والهدي الإسلامي، وليس بمعنى السنن المندوبة والمستحبة فحسب!

3- بيان الأساسات الاعتقادية وربطها بالإيمان باليوم الآخر، وربطها بتقوى الله ومراقبته، وربطها بالأخلاق.

4- الدعوة بالحكمة التي هي قول الشيء المناسب في وقته المناسب وعدم تأخير البيان عن وقت الحاجة ومقتضاها، وعدم الالتفات لما لدى الناس من رغبة في الاستماع إليه بل الالتفات بما هو واجبٌ قوله وإسماعه للناس.

وبهذا تدوم مراقبتنا لأعمالنا الدعوية ويتكرر عرضها البلاغي دوماً على المعيار والميزان لتبقى متّصلة بسنّة هادينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وربّنا الذي نعمل له ولأجله تبارك وتعالى.

من خباب مروان الحمد

باحث في مركز آيات