خباب مروان الحمد

تواجهنا أحاديث نبوية كثيرة يتحدث العلماء أثناء شرحها فيقولون: «ظاهرها غير مراد» ومضمون كلامهم الردٌ على منهج الوعيديّة من الخوارج وغلاة التكفير.

من ذلك هذه الأحاديث الثابتة النبوية:

(إِذَا كَفَّرَ الرَّجلُ أَخَاهُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا)

( لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ وَهوَ يَعْلَمُهُ إِلَّا كَفَرَ)

(مَنِ ادَّعَى مَا لَيْسَ لَهُ فَلَيْسَ مِنَّا وَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّار)

(مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ)

(سِبَابُ المُسْلِمِ فسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كفْرٌ).

وغيرها من الأحاديث.

خذ على سبيب المثال حديث: (مَنْ دَعَا رَجُلًا بِالْكُفْرِ أَوْ قَالَ عَدُوَّ اللَّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِلَّا حَارَ عَلَيْهِ) فقد قال ابن بَطَّالٍ:

«كنْتُ أَسْأَلُ الْمهَلَّبَ كَثِيرًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ لِصُعُوبَتِهِ فَيجِيبُنِي بِأَجْوِبَةٍ مخْتَلِفَةٍ

وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ، قَالَ قَوْلُهُ فَهُوَ كَمَا قَالَ يَعْنِي فَهُوَ كَاذِبٌ لَا كَافِرٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا تَعَمَّدَ الْكَذِبَ

الَّذِي حَلَفَ عَلَيْهِ وَالْتَزَمَ الْمِلَّةَ الَّتِي حَلَفَ بِهَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ

فَهوَ كَمَا قَالَ مِنَ الْتِزَامِ تِلْكَ الْمِلَّةِ إِنْ صَحَّ قَصْدُهُ بِكَذِبِهِ إِلَى الْتِزَامِهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَا فِي وَقت ثَان

إِذا كَانَ ذَلِك عَلَى سَبِيلِ الْخَدِيعَةِ لِلْمَحْلُوفِ لَهُ قلْتُ وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِذَلِكَ كَافِرًا

وَإِنَّمَا يَكُونُ كَالْكَافِرِ فِي حَالِ حَلِفِهِ بِذَلِكَ خَاصَّةً وَسَيَأْتِي أَنَّ غَيْرَهُ حَمَلَ الْحَدِيثَ عَلَى الزَّجْرِ وَالتَّغْلِيظِ

وَأَنَّ ظَاهِرَهُ غَيْرُ مرَادٍ وَفِيهِ غَيْرُ ذَلِكَ من التأويلات».

ومن ذلك الأحاديث التي تتعلق بقوله صلى الله عليه وسلم:

(من غش فليس منا) و(ومن انتسب إلى غير أبيه فقد كفر) و(ليس منا من ضرب الخدود)

فكلها ليست على ظاهرها في اعتباره ليس على الإسلام؛ بل يكون ذلك على سبيل الزجر والتوبيخ والتغليظ والتقريع.

ومثله حديث: (واذكر الله عند كل حجر وشجر) فقد بيّن العلماء أنّ ظاهره غير مراد؛ لأنه لا تقييد للذكر بذلك فإنه مراد لله في كل حال.

يبقى القول أنّ هذه الأحاديث وكذا الآيات التي تأتي على سبيل الزجر والتوبيخ ينبغي أن تُحمل في الأصل على الظاهر؛

ولهذا قال الإمام الشافعي كما في كتابه العظيم «الرسالة»:

(والقرآن على ظاهره حتى تأتي دلالة منه أو سنة أو إجماع بأنه على باطن دون ظاهر).

فالأصل حملان اللفظ على ظاهره إلاّ إذا أتى ما يصرفه عنه، ومما يساعد في فهم ذلك أنّه حين نزلت آية :

{ إنّ الشرك لظلمٌ عظيم} فقد فهم الصحابة منها أنّهم جميعاً قارفوا ظلم الأنفس.

إلاّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قد وجّه الصحابة لفهمٍ مخصص دقيق.

يبين ذلك الإمام القسطلاني فيقول:

«ويقوّيه نحو: من في قوله: ما جاءني من رجل أفاد تنصيص العموم،

وإلا فالعموم مستفاد بحسب الظاهر كما فهمه الصحابة من هذه الآية، وبيّن لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ظاهره غير مراد،

بل هو من العام الذي أريد به الخاص، والمراد بالظلم أعلى أنواعه وهو الشرك،

وإنما فهموا حصر الأمن والاهتداء فيمن لم يلبس إيمانه حتى ينتفيا عمن لبس من تقديم لهم على الأمن في قوله لهم الأمن أي:

لهم لا لغيرهم ومن تقديم وهم على مهتدون.

وفي الحديث أن المعاصي لا تسمى شركًا وأن من لم يشرك بالله شيئاً فله الأمن وهو مهتدٍ.

لا يقال: إن العاصي قد يعذب فما هذا الأمن والاهتداء الذي حصل له؟ لأنه أجيب بأنه آمن من التخليد في النار مهتدِ إلى طريق الجنة».

من خباب مروان الحمد

باحث في مركز آيات