«وأعوذ بك من شتات الأمر».. ورد هذا الدعاء في حديث ضعيف، لانقطاع في بعض أسانيده، وقد أورد له الحافظ ابن حجر طرقا أخرى موصولة.

ما شتات الأمر؟

شتات الأمر تفرُّقُه وتوزُّعُه وعدم انضباطه بصورة يفقد معها المرء التركيز ويخرج بلا نتيجة أو بغير ما يصلحه.

وضده: اجتماع الأمر.

ومن مظاهر شتات الأمر: كثرة التنقل بين الأشياء، وعدم إتقان شيء منها، وتشتت الذهن بين متفرقات كثيرة، والانشغال بجزئيات متنوعة لا يربطها رابط.

ضياع الأوقات لسوء التصرف في إدارة الوقت والاستفادة منه.

ومن الأمثلة المعاصرة الخطيرة:

أن يكون لدى المرء وعلى هاتفه (فيس بوك – تويتر – انتسقرام – شناب شات – واتس أب – تليجرام وغير ذلك)

فتراه يتنقل في كل حين بين هذه البرامج، فهو في الدقيقة الواحدة يشرِّق ويغرِّب، ويصعد ويهبط، ويغدو ويروح،

يرد على فلان، ويخاطب علان، فيذهب تركيزه حتى إنه لتمر به الساعات وهو منهمك مندمج غارق تائه ثم يخرج بعدها بلا شيء.

لا هو أكمل معلومة فحفظها وركز فيها، ولا استكمل قراءة موضوع ففهمه وحفظ أهم ما فيه، ولا أراح نفسه من الأصل فلم يدخل في هذه المتاهات.

والنتيجة بعد كل ذلك:

عقل مشتت، وقلت مفرق، وفكر سطحي، ووقت ضائع. ونفس ضيقة كئيبة.

والخطير أن ذلك ينعكس لا محالة على قلبه وخشوعه وعلاقته بربه، حيث يفقد اجتماع القلب على الله، فيذهب تركيزه في صلاته، ويتشتت عقله عند تلاوة القرآن الكريم، وينسى أوراده، وتفوته أذكاره وصلواته.

       ومن شتات الأمر: تنقل طالب العلم الشرعي بين الكتب والشيوخ والحلقات والدروس واليوتيوبات، من فعل ذلك خرج بفكر مشوه وعلم غير منضبط وأفكار غاية في التفرق والسطحية. وتلك آفة هذا الجيل.

       ومن شتات الأمر ذلك الشاب أو الفتاة أو الرجل أو المرأة الذي يستقبل كل مكالمة ويرد على كل متصل ويذهب مع كل داعي، ويتنقل كل ساعة مع صديق في المفيد وغير غير المفيد. سبحان الله هل صارت أوقات المسلم رخيصة إلى أن يبذلها بهذا الشكل الرخيص؟.

نقل عن عامر بن عبد قيس أحد التابعين الزهاد: أن رجلا قال له: كلمني، فقال له: عامر بن عبد قيس: أمسك الشمس. يعني أوقف لي الشمس واحبسها عن المسير حتى أكلمك.

وقديما ضرب ابن عطاء الله السكندري مثلا لهؤلاء المشتتين برجل يريد أن يحفر بئرا لينتفع بمائه،

فإذا به يمسك فأسه ويضرب يمينا ضربة، وشمالا ضربة وفي الأوسط ضربة وأعلى ضربة وأسفل ضربة.

هل هذا سيحفر بئرا؟ كلا لن يكون فالواجب أن يركز الحفر في مكان واحد.

نحن في زمن التشتت والتفرق والتمزق في كل شيء.

إخواني وأحبتي:

       إن الموفق من جمع همه وجعله هما واحدا، وهو الله والدار الآخرة. ولم يتشتت في أودية الدنيا كل ساعة في وادي.

       والموفق من أقبل على شأنه وأصلح حاله ولم ينشغل بما لايفيد.

       والموفق من حرص على ما ينفعه فقط وترك مالا ينفعه «احرص على ما ينفعك».

أيسرك أخي الحبيب وأختي الكريمة أن تدخل الصلاة وتخرج منها ولا تجد قلبك لأن عقلك المشتت أخذك أثناء الصلاة في كل وادي؟

أيسـرك أن تتلو كلام ربك فلا تجد قلبك لأنه توزه وتشتت هنا وهناك؟

أيسرك أن تنفرط الأيام والساعات دون ان تحصل شيئا ذا جدوى بسبب تلك الملهيات بالتنقل بين برامج كلها تفاهات إلا ما رحم الله؟

سل نفسك في نهاية يومك: ماذا قدمت لربك ولدينك ولنفسك اليوم؟ فإن كان خيرا فاحمد الله، وإن كانت الأخرى (التشتت والضياع) فاستغفر ربك وعد إلى رشدك.

لندع جميعا من كل قلوبنا: الله إني أعوذ بك من شتات الأمر.

ثم لنعاهد ربنا أن نتخلص من كل عائق يعوقنا عن ربنا، فالصالحون يسبقوننا إلى الله كل ساعة،

والمشمرون المجتهدون أوشكوا على الوصول وما زال المتخلفون مشتتين.

د. أحمد زايد

من د. أحمد زايد

أستاذ مشارك في كلِّيتي الشريعة بقطر، وأصول الدين بالأزهر