حدث عفوي بسيط ينبع من قلب حانٍ رقيق، مجرد قطة من تلك الكائنات اللزجة المتسلقة المصلحية؛ تسلقت كتف الشيخ فلم يفزع ولم ينتابه القرف، أو تتحرك فيه نوازع العدوان تجاه هذا المخلوق الضعيف -ظاهرياً على الأقل- إذ صدق من يشبهون النساء به كثيراً!

رمزية الحدث جاءت لكون الشخص متديناً وصاحب لحية، كما أنه واقف في محراب الصلاة في شهر رمضان؛ يتلو القرآن بصوت شجي، ولذلك كان أهم ما يميز الحدث من وجهة نظري عفويته ورمزيته، وهو الموقف الذي جعل الشيخ الذي قد لا تعرفه إلا فئة محدودة جداً من الناس؛ حديث الغرب والشرق ومن أبرز الوجوه والأسماء المتصدرة للشهرة خلال اليومين الماضيين!

ولا أظن أن رد فعل جميع الأئمة سيكون واحداً في نفس الموقف، ولكن شاء الله أن يكون ذلك لعله لشيء في قلب هذا الشيخ، لتطير هذه اللقطة في الآفاق، فتسر المؤمن وتغيظ الحاقد المعاند، حتى راح بعضهم يرغي ويزبد ويقارن قفزة أرمسترونج على القمر بقفزة القطة على كتف الشيخ، في إسقاط نفسي يدل على عمق الأزمة التي جعلته يساوي هذه بتلك وإن كان مستهزءً!

وقفزة أرمسترونج وإن كانت مسبوقة بمعراج نبينا فلا تبهرنا كثيراً، إلا أنها قفزة مادية ولكن قفزة القطة هي قفزة معنوية شعورية لذلك لا تستطيعون فهمها لفقر الشعور لديكم.

اللقطة لخصت آية في كتاب الله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)، خاصة أنه قد ذكر مثل القطة تحديداً في الرحمة بالحيوان، فمن حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول قال: (عُذّبت امرأة في هرّة، سجنتها حتى ماتت، فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها، ولا سقتها إذ حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).

وهنا نؤكد أن أي متصدر لأي موقع في دين الله؛ هو سفير لهذا الدين، وهو مبعوث من رسول الله أو أحد الموقعين عنه، وهو الذي أنزل عليه القرآن هدى للناس وليس فقط لرحمة القطط، وذلك في كل مواقف حياتنا، فليتخذ كل منا لهذا التكليف أهبته، ولنتحرك بهذا الدين كله وبعلم الكتاب كله لندعوا إليه العالمين لنخرجهم من الظلمات إلى النور.

وأخيراً فلا بأس أن يكون من أخلاقيات دعوتنا ملاطفة القطط والكائنات الرقيقة، كما ينبغي ان تكون من أولوياتها منازعة الضباع ومغالبة الضواري وكسر أنيابها ومخالبها، فهذا الدين يرتكز في تأثيره على النفس البشرية على الرغبة والرهبة وذلك في تعامله مع كل المشاعر الإنسانية.

من د. خالد سعيد

أحد أبناء الحركة الإسلامية - مصر