قرأت ردوداً لأحد الشيوخ عن بعض ما يثار حول صوم عاشوراء من شبهات،

وفي الحقيقة فإن الرد كبير للغاية وملئ بالتلفيق والمغالطات كعينة الردود الترقيعية التي يستخدمها بعضنا في الرد على الفرق المخالفة؛

باعتبار أنه يكلمنا نحن، أي أننا نكلم أنفسنا في الحقيقة،

ورأيي أنه لو كان في مجال مناظرة مع خصم حاذق منهم لأفحمه وأضحك الناس على كثير من ردوده تلك.

فقد زعم مثلاً أن التشكيك في أحاديث البخاري بخصوص المحرم؛ تعني التشكيك في الإجماع،

لأن الأمة أجمعت على أحاديث الصحيحين وهذا زعم سقيم مردود في نفسه،

كما تحدث عن التقويم العبري وكأنه تقويم شمسي، أو أن هذا احتمال وارد رغم كونه قمرياً،

إلى غيرها من المغالطات ووضع الاحتمالات العقلية المحضة

حتى لو كانت مغلوطة تأسست على جهله ببعض الأمور الهامة للغاية (كالتقويم) عند الحديث في مثل هذا الموضوع.

وهو يستحق رداً وتفنيداً في الحقيقة ولولا كثرة ما كتب وفتح من أبواب لفعلت، ولكن الوقت والظروف الحالية لا تسعفني لذلك.

ولكنني أوجز ما أريد قوله في عاشوراء فيما يلي:

الصواب صوم عاشوراء وأنه مستحب وثابت في السنة وخاصة ما صح منه في البخاري ومسلم.

وأكثر ما روي من ذلك عن ابن عباس، وما روي من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها فيه أنه كان معروفاً في الجاهلية.

وأن النبي هاجر وشرف المدينة المنورة في الثاني عشر من ربيع الأول،

وعرف فيما بعد أن اليهود يصومون يوم عاشوراء وليس لهم شهر يسمى محرمُ،

ولكن لأن التأريخ العربي كان مرتبطاً بالتأريخ العبري -وكلاهما قمري-

لأن العرب كانوا ينسأون الشهور على عدة نظم للتقويم ذكرها العلماء،

وأشهرها وأكثرها انتشاراً خاصة في يثرب -قبل نور رسول الله فيها- كان النسيء العبري،

وقد تحدثت عنه سابقاً.

قال الله تعالى:

(إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ماحرم الله).

وذلك أن النسيء بنظام الدورات الزمنية التسعة عشر منها سبعة كبيسة بترتيب معين، لتوافق تسعة عشرة سنة شمسية،

وتابعهم العرب في ذلك، فكانت مواضع الشهور العربية ثابتة، فما هو في الصيف كان في الصيف وما في الشتاء فهو فيه،

وبالتالي كانت مواقيت العبادات الموروثة من ملة إبراهيم كعبادة الحج تتغير عن حقيقتها في الشهور العربية القمرية دون نسئ،

ولذلك فإنه لما عاد شهر ذي الحجة (حسب الدورة القمرية) إلى موضعه أي على أصله قبل النسئ مع دورات القمر المتعددة فوافق الموعد الشمسي

قال رسول الله ﷺ:

(إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان).

وإن سيدنا رسول الله سأل عن صوم اليهود في هذا اليوم لأن هذا كان جديداً عليه بخصوص اليهود أنفسهم، وليس جديداً عليه مطلقاً بموجب نص حديث أم المؤمنين وأنهم كانوا يصومونه في الجاهلية.

وأما أن في هذا تعارض بين يوم هجرته الشريفة في الثاني عشر من ربيع الأول،

وصوم اليهود فيما يوافق العاشر من محرم وهو العاشر (إلى الحادي عشر) من تشرين العبري،

فلم أجد في نص أي حديث مما أعرف في المحرم أن النبي وجد ذلك وسأل عنه بمجرد وصوله المدينة، ولعل ذلك حصل في بداية العام التالي.

وأشهر ما روي في صيام المحرم عن ابن عباس، وفيه أنه رأي النبي يصوم هذا اليوم،

وابن عباس ولد في حصار الشعب بلا خلاف فيما أعلم، وكانت مدته ثلاثة سنوات،

وهاجر بعدها سيدنا محمد بثلاث، وتوفي النبي -فداه أنفسنا ومن نحب- وعمر ابن عباس ثلاث عشرة أو خمس عشرة سنة.

وأما حديث معاوية في ذلك

فكان قبل مذبحة عاشوراء الأثيمة على يد عدو الله يزيد وجنده، وكان ذلك في خطبته بالمدينة في جمع من الصحابة ولم يكن يتكلم وحده،

حتى يزعم البعض أن صيام هذا اليوم مؤامرة أموية قديمة.

وأما كونه احتفالاً في يوم مصيبة عظيمة للمسلمين، وهي استشهاد الإمام الحسين ومن معه من آل البيت الشريف وأنصارهم؛

فليس في الصوم احتفال، وليس في الأعياد عندنا صوم بل الأصل فيها الأكل والشرب والفرح،

ولذلك قال النبي : (فنحن أحق وأولى بموسى منكم)

ولم يقل: نحن أحق وأولى بهذا العيد منكم!

وأما ما أشاعه الظلمة من استحباب التوسعة والفرح وتوزيع الحلوى ونحوها

فلم يصح عن النبي وإنما هو من فعل النواصب أعداء آل بيت رسول الله قاتلهم الله ولعنهم.

وأخيراً

فإن في اشتراك يوم العاشر الحزين بين ذبح عترة رسول الله ،

ونجاة سيدنا موسى من فرعون؛ حقيقة إيمانية وهي أن النصر والفوز في الثبات على الحق والدفاع عنه؛

سواءً نجى المؤمن أو قتل، وسواءً مكن له في الأرض أو لم يمكن.

سلام على الحسين وآل الحسين وأصحاب الحسين وأنصار الحسين، سلام على البطون الطيبة والحجور الطاهرة،

سلامٌ على من كانت في الله مصارعهم ليدوم الحق ولا يسوغ حكم الظلمة أبداً في أمة محمد .

من د. خالد سعيد

أحد أبناء الحركة الإسلامية - مصر