د. خالد عبد القادر

إنَّ الله تعالى سَمَّى نفسه حَكِيماً،والحكيم لا يفعل، ولا يوجب، ولا يحرِّم على عباده إلا لِحكَمٍ جليلة، وعِلَلٍ نَبيلة، يجهلها مَنْ يجهلها ويعلمها من يعلمها.

قَالَ ابْن الْقيِّم: «لَيْسَ فِي الشَّرِيعَة حكْمٌ إِلَّا وَله حِكْمَةٌ، وَإِنْ لم يَعْقِلهَا كثير من النَّاس أَو أَكْثَرهم».

وقال ابن الحاجِبِ: «فَإِنَّ الْأَحْكَام شرِعَتْ لمصَالح الْعباد بِدَلِيل إِجْمَاع الْأمة».

وقال العِزُّ بن عبد السلام: إنَّ الشَّرِيعَة كلهَا معلَّلة بِجلْبِ الْمصَالح ودَرْء الْمَفَاسِد.

ومن هنا فإنَّ عمر بن الخطاب أوقف نصيب المؤلَّفة قلوبهم من الزكاة الثابت في كتاب الله، حينما رأى أنَّ المصلحة التي شُرع من أجْلها قد انتهت، وهي تقوية جانب المُسلمين.

وقد حكم أيضاً بوقوع الطلاق الثلاث بلفظ واحد، ثلاث طلقات، مع أنَّ هذا بخلاف ما كان على عهد النبي وأبي بكر..لما رأى من استعجال الرجال في موضوع يجب التَّأني فيه.

وأوقف توزيع الأراضي المفتوحة على المجاهدين، وأبقاها بأيدي أهلها من أجل مصالح الأُمة.

وزاد عثمان بن عفَّان أذاناً قبل دخول وقت صلاة الجمعة لأجل تنبيه الرجال للاستعداد للصلاة.

والأمثلة على ذلك كثيرة جداً.

ونحن نعاني في زماننا من توجُّهٍ فقهيٍّ يجمد على ظاهر النص، ويقف عنده، ولو كانوا في عصر عمر وعثمان، لقاتلوهم.

وقد أفتى بعض هؤلاء الجامدين بعدم وجوب الزكاة في الأوراق النقديَّة، زاعمين أنَّ الله لم يوجب الزكاة إلا في الذهب والفضَّة فقط.، وهذه العملات ليست بذهب ولا فضة.

ومنهم من يوجب شعيراً وزبيباً وقَمْحاً في زكاة الفطر، ويُحرِّمون إخراج النقود بدلاً عنها.

وَوَفْقَ منهج عمر أقول:

إنَّ واقع الأمة اليوم يعاني من فقرٍ وحاجةٍ لأشياء أساسيَّة من أُجْرة منزل، أو شراء دواء، أو ثمن علاج، أو فاتورة كهرباء أو قارورة غاز،

وإنَّ هذا الواقع يوجب على الفقيه البصير،

الذي يحْسن تنزيل النصوص على المستجدات،

أن يقول بجواز الفطرة نقوداً، في بيئة، وبجوازها طعاماً في بيئة أخرى،

استجابة وتحقيقاً لِلعِلَّة التي فرضت زكاة الفطر من أجلها،

وهي التفريج عن الفقراء،

وما هم به من ضيق، قد لا ينجلي إلا بالنقود.

وقد يتفصَّح متفصِّحٌ جامدٌ فيقول:

ألم تكن هذه العِلَّة موجودةً في عصر النبي والصحابة.؟

الجواب: لا لم تكن هذه الحاجيات في يومهم، وإنما هذه حاجيات مسْتَحدَثة.

دواء مرتفع الثمن، أجرة بيت، غاز، كهرباء، بترول.

وإنما كانت الحاجة العُظْمى في عصرهم هي الطعام، ومن هنا جاءت نصوص القرآن والسُّنَّة في الإطعام فقط.، فناسب أن تكون صدقة الفطر طعاماً..وكفارة اليمين طعاماً،

ومن جامع زوجته نهار رمضان طعاماً، وفي كفارة الظهار طعاماً،

ورغَّب الله ورسوله في الإطعام بشكل مطْلق.

فهل نقف عند الإطعام، ونهمل حاجات الفقير الأساسية من غير الطعام،

لأنه لو أهملنا حاجاته من غير الطعام فإنه سيبيع الطعام بأقل من ثمنه ليشتري به شيئاً آخر يحتاجه.

من د. خالد عبد القادر

دكتور في الفقه المقارن‏ - لبنان‏