العقيدة غالية على النفس المؤمنة. ولذلك يربطنا الإسلام بالله، وبرسول الله، وبالمؤمنين الصالحين.(إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ. وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ). ولاؤك تعطيه لله ولرسول الله وللمؤمنين الصالحين.

والرسل على مدار التاريخ أعطونا أعظم النماذج وأروع الأمثلة في تطبيق هذا المفهوم.

نوح عليه السلام يطلب من ربه أن يكون ولده في عداد المؤمنين الناجين، لكن العقيدة ليست فيها واسطة (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾.

إبراهيم عليه السلام يطلب منه أبوه أن يستغفر له عند ربه، لكن حين تبين له أن أباه عدو لله تبرأ الابن من أبيه.

(وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ).

لذلك أراد الله ربطنا بإبراهيم الخليل عليه السلام،فقال لنا في سورة الممتحنة:

(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ).

صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم ساروا على نفس الطريق، قطعوا كل علاقة بينهم وبين آباءهم، وبين أبناءهم طالما أن هناك طريق لله وطريق آخر للشيطان.

(لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ).

أبو بكر الصديق، الذي أحب الله ورسوله وصدق في حبهما، فلم يعد للدنيا وما فيها من زينة أي تعلق بقلبه، ففي غزوة بدر كان ابنه عبدا لرحمن في جيش المشركين، فلما أسلم قال عبدالرحمن لأبيه الصديق: لقد كنت أتحاشاك وأتحول عنك عندما كنت أراك، فلم أرد قتلك، وقد كنت هدفاً قريباً لي في أكثر من مرة، فما الذي أجاب به الصديق وهو الرحيق المختوم من الصدق الصافي الذي لا تشوبه شائبة من كذب أو حتى من مجرد مجاملة؟ قال له: لو أني رأيتك يومها لقتلتك.

سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه -وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة- قالت له أمه: إنك تقول: إن دينك جاء بمكارم الأخلاق وصلة الأرحام -وكان سعد من أبر الناس بأمه- فوالله ما أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بدينك، فإذا مِتُّ عُيِّرت بي؛ فيقال: يا قاتل أمه. وكانوا إذا أرادوا أن يطعموها فتحوا فمها بالعصا، لأنها تأبى أن تأكل وتشرب، حتى يعير سعد بها طيلة العمر. فقال لها: يا أماه كلي أو دعي، فوالله لو كان لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بديني؛ فأنزل الله عز وجل قوله:

{وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا}.

ولما كانت بدر في السنة الثانية للهجرة كان مصعب بن عمير من قادتها وأبطالها الميامين، ولما انتهت المعركة بنصر الله المبين للمسلمين كان من بين المشركين الأسرى:أبو عزيز بن عمير أخو مصعب، ومرَّ به (مصعب) وأحدُ الأنصار يضع القيود في يده، فقال مصعب للأنصاري: شُدَّ يديك به، فإن أمه ذات متاع، لعلها تفديه منك.فقال أبو عزيزُ لأخيه مصعب: أهذه وصاتك بأخيك؟ فقال مصعب: بل هو أخي دونك.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

من د. عبد الغنى الغريب

رئيس قسم العقيدة بجامعة الأزهر