د. علي السباعي

قبل أن استمر في هذه السلسلة من المقالات أود أن أوضح بعض النقاط التي قد تلتبس على بعض القراء، ومنها:

أولا: قلتُ بلسان عربي مبين في المقال السابق ما نصه «ونحن لسنا مع الانفلات والعبث بالنصوص الشرعية الذي طغى على الساحة، ولسنا أيضا ضد «التمذهب» في شكله الخارجي، وإطاره العام، لكننا نعترض وبشدة على المضامين والسلوكيات المُحمّلة مع التمذهب». انتهى.

وقلتُ أيضا «.. التمذهب يكون وسيلة وآلية من آليات ضبط العلم فقط». انتهى.

فلسنا ضد التمذهب، ولا هذه المقالات الغرض منها الرد على (التمذهب) إطلاقا، إنما الغرض منها كما ذكرتُ في المقال السابق «لكننا نعترض وبشدة على المضامين والسلوكيات المُحمّلة مع التمذهب».

فهذا توضيح لبعض القراء الذين كانت تعليقاتهم على مقالي السابق بأنني أرفض التمذهب.

ثانيا: المذاهب الفقهية الإسلامية عموما ليست وليدة العصر، بل هي ضاربة في أعماق تاريخ أمتنا، وهي أيضا = المذاهب، كان لها بالغ الأثر على الحياة العلمية والاجتماعية والسياسية..إلخ،

وقد صنف العلماء والمؤرخون مصنفات كثيرة جدا حول «المذاهب الفقهية»، رصدوا فيها (ايجابيات) و (سلبيات) (التمذهب).

وهي مطبوعة متاحة للجميع، فموضوع (التمذهب) أُميت بحثا من جهابذة عظام، وعلماء كبار قبلنا. فعلينا جميعا اليوم الأخذ بما هو (ايجابي) ورد ما هو (سلبي) أليس هذا هو صنيع العقلاء؟ فعلام يدق البعض طبول الحرب ونحن لها كارهون!.

ثالثا: وكمثال يوضح ما أسلفنا، يقول إمام الحرمين الجويني (1) رحمه الله «نحن ندعي أنه يجب على كافة العاقلين وعامَّة المسلمين شرقًا وغربًا بعدًا وقربًا انتحال مذهب الشافعي، ويجب على العوام الطغام والجهال الأنذال أيضًا انتحال مذهبه، بحيث لا يبغون عنه حِوَلًا، ولا يريدون به بدَلًا» انتهى.

اقرأ أيضًا:

 د. علي السباعي يكتب: ضبط المصطلحات.. «التمذهب» نموذجا (1)

فنحن أمام كلام الجويني هذا ليس لنا إلا أحد خيارين لا ثالث لهما، إما أن نقبل قوله، وبناء عليه يجب إلغاء جميع «المذاهب الفقهية» الأخرى = الحنفية والمالكية والحنبلية، ويجب على جميع اتباع المذاهب الأخرى اتّباع المذهب الشافعي، يستوي في ذلك العاقلين أو العوام الطغام والجهال الأنذال على حسب تعبير الجويني!. ولا أعتقد أن عاقلا، فضلا عن عالم أو طالب علم يقبل كلام الجويني هذا، فلم يبق إلا الخيار الآخر، وهو أن قول الجويني هذا قول باطل قائم على التعصب والغلو في تعظيم مذهب الشافعية وإمامه الشافعي رحمه الله، فإن قلتم بهذا القول، قلنا لكم، أن كلام الجويني هذا لها مئات النظائر والأشباه من أرباب وعلماء المذاهب الأخرى، وهو ما نريد أن نناقش بعضه في هذه السلسلة من المقالات لكي لا نكرر المكرر، ونقع ما وقع فيه بعض أسلافنا من التعصب البغيض، والتقليد الأعمى.

أخيرا:

سألتزم بهذه السلسلة من المقالات حتى انتهي منها، وبعدها سأجمع الردود لمناقشتها والرد عليها أن وجدت شيئا يحتاج إلى رد أو مناقشة، أما قبل الانتهاء من هذه السلسلة فلست معني بالرد أو مناقشة أحد، واعتقد أن من أراد مناقشتي عليه أن يصبر حتى انتهي من قولي، فليس من الحكمة في شيء أن يناقش المرء في كلام لم يكمله، بل ربما لم يبدأه بعد!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ في كتابه «مغيث الخلق في ترجيح القول الحق». والجويني علم من أعلام الشافعية، يقول عنه الذهبي في السير «شيخ الشافعية، كان فقيها مدققا محققا، نحويا مفسرا». وشهرته بين العلماء والمذاهب تُغني عن التعريف به.

من د. علي السباعي

كاتب وباحث أكاديمي ليبي