د. علي السباعي

من أعظم المفاسد وأكثرها ضررا على عموم الناس وخاصتهم، ما نعيشه اليوم من اختلاط المفاهيم، وعدم ضبط المصطلحات. فالناس اليوم مختلفون اختلافا كبيرا حول المفاهيم والمصطلحات المنتشرة في الساحة. [«منهج السلف» أو «منهج التوحيد والجهاد» أو «الدولة الإسلامية» أو «تحكيم الشريعة»] (1) أو «الدولة المدنية» أو «الرجوع لعلماء البلد»…إلخ.

فتجد (الشعار) أو المصطلح برّاقا في ظاهره، إلا أنه حين التطبيق والممارسة، تجد أنّ تلك الشعارات الجميلة تفوح منها  مضامين منحرفة، وسلوكيات فجّة قبيحة لا تمت إلى تلك الشعارات بصلة، وتختلف جذريا عن ظاهرها الجميل!.

يطرق الساحة الفكرية في الآونة الأخيرة مصطلح «العودة إلى التمذهب». ويطرحه البعض كبديل للفوضى التي تعم «الأوساط الدينية».

ونحن لسنا مع الانفلات والعبث بالنصوص الشرعية الذي طغى على الساحة، ولسنا أيضا ضد «التمذهب» في شكله الخارجي، وإطاره العام، لكننا نعترض وبشدة على المضامين والسلوكيات المُحمّلة مع «التمذهب».

وهي مضامين اكتوت بها الأمة الإسلامية، وعانت منها أشد أنواع الويلات على مدار قرون من الزمن، ومن ذلك، الهجر، واللعن، والسب، والشتم، والقتل، والتكفير، والإقصاء، والتنكيل بمخالفي «المذهب»، والوشاية بهم عند الحكام والسلاطين لقتلهم أو سجنهم، فنتج عن ذلك الفرقة، وذهاب الريح، وظهور العدو على بلاد المسلمين، وانتشار الجهل، والتخلف، والتقليد، والتعصب، والجمود، والجدل المذموم.

فأقيم في الحرم (أربعة محاريب!) للسادة أصحاب المذاهب الأربعة والدين الواحد!، وانتشرت الفتاوى التي تُحرم (الزواج) بين بعض المذاهب، والفتاوى التي تُحرّم الصلاة خلف بعض المذاهب أيضا، هذا ناهيك عن الصدامات الدامية التي وقعت بين (المذاهب) فقد سُطرت في كتب التاريخ ولازالت محفوظة.

وما صاحب ذلك من ظهور العقائد المنحرفة والتصورات البدعية التي تصطدم مع صحيح السّنة، وغير ذلك من الفظائع والكوارث التي مازالت محفوظة وشاهدة على إساءة (متعصبة المذاهب) لدين الله وشرعه العظيم، وسيأتي في قابل المقالات بيان شيء منها إن شاء الله. فإذا الدعوة إلى (التمذهب) لابد أن يُنظر فيها من عدة زوايا:

أولا: أن يكون (التمذهب) خالصا من المنكرات العظيمة سالفة الذكر. أي (التمذهب) يكون وسيلة وآلية من آليات ضبط العلم فقط.

ثانيا: أن يكون الشيخ أو (الداعي إلى التمذهب) سُنيّا متبعا مبغضا للبدع والخرافات، حريصا على طلب الدليل الشرعي والعمل به.

ثالثا: أن يكون لهذا الشيخ = الداعي إلى التمذهب، جهودا علمية في مناهضة التعصب والجمود والفرقة، وأن يكون له جهودا أيضا في محاربة البدع والخرافات و (الهبال!) و (الشطيح المنسوب لذكر الله!) ونحو ذلك. أما أن يرى بالمجهر الدقيق ما يقوم به خصومه!، ولا يرى المنكرات العظيمة التي حوله، فعنذئذٍ تكون دعوته لـ (التمذهب) دعوة مشبوهة لا يُراد بها ضبط العلم ولا إتقانه.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1ـ هذه المصطلحات التي بين [المعكوفتين] قد تناولتها بالتفصيل في عدة سلاسل من المقالات بعنوان (ضحايا الغلو) و (الأغلال) و (تقديس الرموز).

من د. علي السباعي

كاتب وباحث أكاديمي ليبي