‏عندما يأمرنا الله عز وجل بعبادته ويخبرنا أنه أعدّ للمطيعين جنة يتنعمون فيها خالدين وأعدّ للعاصين ناراً يعذبون فيها خالدين كذلك فإن هذا يسمى إيمانا بالغيب، لأننا لم نر النعيم ولا العذاب ولن نراهما إلى يوم الحساب.

وفي السياسة الجزائرية طلع علينا رهط من المثقفين ‏يريدوننا أن يؤمن بالغيب فنسير خلف إنسان أو مؤسسة لا على أساس القناعة والبرامج ووضوح الخطوات والإجراءات ‏التي تبعث على الثقة ولا على أساس الشراكة في بناء الوطن، ولكن على أساس الإيمان بالغيب، الإيمان أن هؤلاء الناس يحملون في أيديهم جنة يعدون بها الشعب إن سلمهم مفاتيح الوطن وأغمض عينيه وعطّل عقله ‏وكف عن السؤال والشك..

‏وبغض النظر عن كوننا في عصر الحرية حيث يختار الإنسان ما يريد، فإنني أنا من جهتي أقول أنه ‏ليس بهذه الطرق القروسطية تبنى الدول المعاصرة، وليس في القرن الحادي والعشرين الذي تقوم فيه العلاقات بين الحاكم والمحكوم على أساس المواطنة لا على أساس السخرة والامتلاك ‏ولا على أساس الفرعونية حيث يقول الحاكم: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد).

وكم جرّبت الشعوب العربية الإيمان في السياسة فوجدت نفسها في الجحيم بدل الجنّة الموعودة وفي التخلف بدل النهضة وفي العبودية بدل الحرية وفي التبعية والذل بدل الانعتاق والعزة والحريّة..

‏من كان يريد أن يبني دولة بمعنى الكلمة فليس هكذا بل بالمؤسسات والدراسات وتعدد مراكز القوى ونبذ الفردية والانطباعية والضبابية في القرار، ومن كان يريد أن ينظر إلى الشعب الجزائري على أنه شعب من الشعوب المحترمة الواعية المدركة لحالها المتطلعة نحو المستقبل فليس هكذا، ومن كان يريد أن يتحرر من الماضي البئيس المليء بالخيبات والخيانة فليس هكذا.

د. علي حليتيم

من د. علي حليتيم

كاتب جزائري، ومدير مركز الشهاب للدراسات والبحوث