د. محمد علي المصري

المزاوجة الحاصلة بين المذاهب الفقهية والمذاهب العقدية أو الصوفية مما يشق على النفس ويأباه الطبع،

فلقد ذكرتُ غير مرة أن هناك تزاوجًا ومزواحة بين الشافعية والأشعرية، وبين الحنفية والماتريدية، وبين مالكية المغرب كإقليم وبين الأشعرية، فلا يأنف الشافعي أن ينسب نفسه للمذهب الأشعري، أو ينسب الحنفي نفسه للمذهب الماتريدي أو الاعتزال، أو ينسب المغربي المالكي نفسه إلى الأشعري!!

بالرغم من أن الأشعري أبي الحسن رحمه الله قد لخص معتقده بقوله: أموت على ما مات عليه أحمد بن حنبل!

وبالرغم من أن الأئمة المتبوعين فقهيًا قد صرحوا بمعتقدهم، كقول الإمام مالك رحمه الله: الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة! وهو ما لا يؤمن به (المالكي الأشعري)! فيرد قول الإمام المتبوع في الفروع لمن لا يقاربونه في العقائد! فليت شعري! أي تناقض وأي انتكاس!

أما الحنبلي فهو حنبلي وفقط، أصولا وفروعًا وسلوكًا، فلا تناقض ولا تضاد..

فكيف آخذ الفروع من إمام عليه مدار الفتوى وفي ذات الوقت أحارب دعوته العقدية، وأبين فسادها أو انحرافها عن مذهب ومنهج خير القرون؟! وهو أمر شاق عسر لا يمكن أن يتحمله إلا أصحاب النُهى، وقليل ما هم ..!

ولهذا انزلق الكثير من أتباع المذاهب الفروعية في الدفاع عن معتقد متأخري مذهبهم الفقهي، بل بانتحاله، ثم بالجزم بإفراده بالحق، وما عداه الباطل، ثم بتكفير من اعتقد غيره كما حصل في مؤتمر الشيشان الإجرامي ..!

بل قارن بين مواقف الحنابلة ممن انزلق قدمه في بعض الوقت من أئمتهم أو منسوبيهم، كابن عقيل وأبي الخطاب الكلوذاني، حين انحرفا عن صريح مذهب الحنابلة أصولا، بعد لقائهما بالغزالي، الذي كان شيخا شهيرا بالنسبة لهما، وكيف أثر عليهما، وسرت منه لهما بعض طرائق الكلام، فما كان من الحنابلة إلا أن عقدوا مجلسًا موسعًا للنقاش ورد الشبه، وانتهى بوثيقة استتابة لابن عقيل، فتم رده إلى الجادة..!

ونموذج آخر وهو الطوفي الذي شاعت عنه بعض المخالفات، فنبذ، حتى قال أبياته الشهيرة بأن التهم الموجهة له باعتباره حنبلي أشعري صوفي رافضي، لا تجتمع أبدا ..!!

وفي المقابل لا تعرف المذاهب غير الحنبلية هذه (الوحدة) الفقهية العقدية، إلا عند النادر منهم، كابن خزيمة، ولهذا لم يعتبروا خلافه الفقهي، وفي المقابل رحب الحنابلة بغير الحنبلي إذا استقامت عقيدته، كاللالكائي الذي اشتهر في كتبهم الفقهية باسم (هبة الطبري) فنقلوا عنه في كتبهم الفقهية أكثر من أهل مذهبه الشافعي،

بل إن بعض المنتسبين إليها كان ينسب نفسه إلى المذهب الحنبلي عقيدة، كالباقلاني، الذي كان يكتب بعد اسمه ونسبه (الحنبلي) بالرغم من أنه مالكي الفروع …

وإذا انتقلت إلى المعاصرين فستجد الكثير ممن اقترب من علي جمعة كان على المعتقد السلفي الصحيح، وتساهل في أخذ المذهب الشافعي عنه، لا سيما في فترة تدريسه في مسجد السلطان حسن، وما لبث أن انقلب، وانتكس حاله، وأصبح يتعالى ببعض قشور الطقطقات الأصولية والمنطقية، ويحتقر ما كان عليه، حتى ظهرت طائفة من المتحمسين لمنهجه، وظهر أحداث الأسنان، سفهاء الأحلام ممن ينسبون أنفسهم للحنابلة، وهم في الحقيقة عار على هذا النسب الشريف، وسُبّة فيه!

ومن خلال تزكية الشيخ عبد العزيز الشهاوي، وتلقيبه بشيخ الشافعية في مصر، وأخذ بعض الأفاضل في نشر هذه الألقاب نكاية في علي جمعة، حتى أظهر الشيخ عبد العزيز عن حقيقة المنهج والمعتقد بما أسماه (الصلاة الطلسمية) أو (المطلسمة)!! التي تعدل في نظره: سبعين ألف صلاة، والألفاظ العجيبة التي أوردها، والتي تؤكد بطلان الأصل والمنهج، فليت شعري إن كان هذا هو شيخ الشافعية بمصر، وهذا أصله ومنهجه فكيف بمن دونه؟!!

فهل ينكر الشافعية عليه كما أنكر الحنابلة على ابن عقيل وأبي الخطاب والطوفي وغيرهم، أما يتمادون في الدفع والمدافعة بالباطل، والذي يغلب على ظني هو الأخير…

ولا أشك أن بعض الأفاضل من الشافعية لا يرضاه، لكنهم كالنادر وسط الأحراش، لن يسمع لهم صوت، ولا أزعم أيضًا العصمة للحنابلة طيلة اثني عشر قرنًا؛ فهذا محال، لكن البدع والمخالفات فيهم أقل وأندر … ولله درهم!!