«بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم»

رواه البخاري ومسلم

قد يقع المسلم في هذه الكبيرة الخطيرة نتيجة لخلاف مادي أو اجتماعي أو عنصري أو نحو ذلك، فيستشعر المذنب ذنبه في لحظة صفاء بينه وبين ربه، فيستغفر ويتوب.

لكني ألحظ هذه الأيام أن هذه الموبقة تسللت إلى منشورات (الإخوة) حينما يتحاورون بينهم في أية مسألة دينية خاصة تلك التي يكون فيها نوع من الاستقطاب والتخندق،

فيبدأ الهمز واللمز ثم الطعن في الدين والخلق والنوايا و(التربية)

وكل شيء حتى العيوب الجسدية والخَلقية.

وهذه كلها يا إخواني يا أخواتي سلسلة من الكبائر الموبقات، أعاذنا الله وإياكم منها.

يا أخي الحبيب

ما الذي اقترفه أخوك المسلم الذي يحافظ على الصلاة كما تحافظ ويصوم رمضان كما تصوم، ويزكي كما تزكي، ويحج ويعتمر كما تحج أنت وتعتمر ؟

ألأنه خالفك في مسألة؟ هب أنه قد أخطأ نتيجة لاجتهاد خاطئ،

أو لتأثره بعالم أو مفكر لا تعرفه أنت ولا تعرف البيئة التي نشأ فيها والمدرسة التي تخرج منها،

فكيف يدفعك خطؤه هذا إلى أن تقابله بكل هذا الشر وبكل هذه الموبقات الواضحات؟

لقد قال القرآن الكريم بصريح العبارة وعلى طريقة القصر والحصر (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن)، وهم المكذبون لرسول الله والمنكرون لدينه ورسالته!

أتدري يا أخاه لماذا كل هذا الحلم حتى مع هؤلاء؟

لأن هذا هو طريق الإقناع وطريق الهداية وطريق تحقيق الرحمة الشاملة (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)

أتظن يا أخاه أن إنسانا ما يمكن أن يقتنع بك وبفكرك وأنت تستصغره وتحتقره مهما كان حتى لو كان ابنك أو تلميذك.

أزيدك يا حبيبي هل تعلم أن الفقهاء قد حرموا بالنسبة لمستوجب الحد كالزاني والسارق أو لمستوجب القصاص كالقاتل العمد أن يزيد الناس على عقوبته المقدرة شرعا،

فلا يجوز سبه أو شتمه أو حرمانه من حقوقه الإنسانية الأخرى كالطعام والشراب والدواء حتى ينفذ فيه الحكم.

لك يا أخي أن تبين حكم الله إذا كنت أهلا لذلك بكل وضوح كما قال تعالى (لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة)،

لكن بيان الحق ليس معناه الانتقاص من إنسانية الإنسان،

ولذلك كان النبي بأبي هو وأمي يقوم لجنازة اليهودي ويقول عليه الصلاة والسلام:

«أليست نفسا» وفي رواية «أليست إنسانا»

نعم قد تجد في تراثنا زلات لبعض الكبار حينما وقعوا في الخلاف، لكن يا حبيبي لماذا تقتدي بهذه الزلات؟

لماذا لا تقتدي بالمنهج العام لسلفنا الصالح كما ذكرنا سابقا عن علاقة المذاهب الأربعة فيما بينهم رغم اختلافهم بمئات المسائل؟

وانظر إلى الإمام النووي كيف يسوق الآراء المتقابلة في شرحه على مسلم ثم لا تصدر منه زلة تجاه الرأي المخالف مهما كان.

أما إن كنت تعتقد أن الدين كل الدين والصدق كل الصدق والإخلاص كل الإخلاص عندك وعند من وافقك من أصدقائك وأحبابك ممن ألفتهم وألفوك،

وأن الآخرين مشكوك في تدينهم مشكوك في صدقهم وإخلاصهم،

فخذها والله ممن جرّب أكثر الجماعات والتوجهات المعاصرة: أنت واهم، واهِم، واهم،

ومع هذا فإنك ترتكب معصية خطيرة اسمها «سوء الظن بالمسلمين».

اللهم يا رب بصّرنا بعيوب أنفسنا وأكرمنا بالتوبة النصوح وحسن الخاتمة لنا ولجميع المسلمين. 

من د. محمد عياش الكبيسي

مفكر وداعية اسلامي، دكتوراه في الفقه الاسلامي