د. وصفي أبو زيد، متخصص في مقاصد الشريعة

من الوظائف العامة الهامة للمقاصد الجزئية أنها ترشد العمل الإسلامي، وتعمل -إلى حد كبير- على وحدة الأمة، فضلا عن العاملين في ساحة العمل الإسلامي، وتجعل جميع العاملين متفاهمين متفقين متعاونين، يعذر بعضهم بعضا في الفروع ما كانت قائمة على أدلة معتبرة من الشرع.

وإذا كانت المقاصد عموما مارست دورا مشكورا ومقدورا في ساحة الاجتهاد الفقهي المعاصر، تأصيلا وتنزيلا،

فإننا ندعو إلى أن تمارس دورا أكبر في التقريب بين الدعوات المعاصرة ومناهجها المتنوعة؛

إذ إن هذا الدور لم يأخذ مداه حتى الآن، ولم تصدر نداءات تدعو إلى تفعيل المقاصد في التقريب والتوحيد بين الدعاة إلى الله تعالى.

إن معرفة مقاصد الشريعة تظهر أهميتها كذلك في ترتيب الأولويات بالنسبة للداعية في الدعوة إلى الله تعالى؛

فيقدم الضروريات على الحاجيات، والحاجيات على التحسينيات، ويقدم ما فيه مصلحة عامة على ما فيه مصلحة خاصة،

ويقدم الأهم على المهم، كما يحذر الناس من الضرر الأكثر خطورة قبل تحذيره لهم من الضرر الأقل خطورة،

كما يخاطب كل أناس على حسب عقولهم، وبالخطاب الذي يناسب أفهامهم.

ولا يخفى أن معظم الخلاف بين العاملين للإسلام يكون في فروع الدين وجزئياته، أي في الأحكام الفقهية العملية،

ولو تفقه هؤلاء بمقاصد الأحكام الفرعية، وعلموا أنه متى اتضح المقصد فلا بأس من تعدد الصور وتنوعها لزالت إشكالات كبيرة، وتوفرت طاقات هائلة، ونقلنا معاركنا إلى ساحاتها الحقيقية.

وإذا كانت المقاصد تقرب بين الفقهاء، وتقلل مساحات الخلاف، فلا يستغرب أن يكون لها دور فاعل في تقليل الخلاف بين العاملين والدعاة، والقضاء على الشغب في ساحة العمل للإسلام،

وكما قال ابن عاشور:

إن أعظم ما يهم المتفقهين إيجاد ثلة من المقاصد القطعية؛ ليجعلوها أصلا يصار إليه في الفقه والجدل.

وسيظل العمل الإسلامي -رموزه وقواعده- في محنة كبيرة ما لم نتدارك هذا الأمر بنشر ثقافة المقاصد،

وتمكين الوعي المقاصدي بينهم؛ لأن هذا ضمانة كبيرة لسلامة البدن الإسلامي،

واستعادة العافية للدعوة الإسلامية بكل شرائحها وفصائلها، وأرجى لأن يحقق العمل الإسلامي مقاصده، ويصل لغاياته.

من د. وصفي أبو زيد

متخصص في مقاصد الشريعة