في المجتمعات الحرة يمكن أن يقع التأثير الإعلامي على مدى أكبر من مجرد الطرح وإثارة بعض المواضيع المهمة والمساهمة في تشكيل الرأي العام ورعاية مصالح المجتمع.

 

فقد يتسبب في إقالة حكومات أو تعديل مساراتها أو حث السلطات الأخرى على اتخاذ قرارات وصياغة قوانين تجاوبا مع ما يثيره الإعلام من قضايا حين يترك له مساحة حرية كبيرة وحين يخرج الإعلام من تسلط الحكومات والدول ورجال الأعمال «وهو خروج ليس يسيرا».

 

وقد أفادت المجتمعات كثيرا من وسائل الإعلام الحرة ولو كان إعلام الجمهور أو الإعلام الذي يؤسسه الهواة وأصحاب القضايا.

 

وفي هذا الصدد نشير إلى دور الإعلام  في ثورات الربيع العربي حيث قام الإعلام  المنصف وإعلام الهواة وغيرهم بدور كبير في تبصير الجماهير عبر العالم بما يحدث في تلك الثورات لحظة بلحظة بما مثل ردعا للحكومات عن الانفراد بالمتظاهرين وقتلهم أو اعتقالهم دون أن يشعر بهم العالم من حولهم -كما حدث سابقا في حماة مثلا- فأصبح لزاما على الحكومات أن تتريث كثيرا في اتخاذ قرارات للبطش والتنكيل بالمعارضين خشية تسرب تلك الأخبار من خلال تصوير الأحداث ونقلها عبر مواقع التواصل وبثها في الفضائيات لتدفع ثمنا سياسيا باهظا أمام الرأي العام المحلي والعالمي بسبب تلك الممارسات.

 

وهذا التأثير يمثل في حد ذاته مكسبا كبيرا للإعلام ولما يسعى إليه ممارسوه دوما من حرية في العمل الإعلامي وترسيخا لدوره في حركة المجتمعات.

 

يمكننا أن نذكر هنا  أمثلة لدور الإعلام الإيجابي في الحياة العامة وهي على أقليتها تمنحنا أملا بأن يأتي يوم يمكن أن يفيد الإعلام البشرية بشكل صحيح ويحقق أهدافها البعيدة بالطبع عن أهداف أصحاب الفنوذ والتلسط والمصالح الشخصية ومن الأمثلة على ذلك بشكل تاريخي  تبني جريدة “لوموند” المسائية الفرنسية لفضح فساد طال رئيس الدولة شيراك ورئيس الحكومة دومينيك دوفيلبان  فتنشر معلومات مفادها ان الجنرال فيليب روندو، وهو مسئول سابق في أجهزة الاستخبارات، قال للقضاة انه أجرى تحقيقا موازيا حول ساركوزي بطلب من وزير الداخلية دومينيك دوفيلبان بموافقة الرئيس السابق جاك شيراك.

 

وبدأت أحداث القصة بتزوير لوائح شركة مالية في لوكسمبورغ تدعى «كليرستريم». والهدف من هذا التلاعب كان الإساءة لمودعين مختلقين عبر إظهارهم بأنهم استفادوا من رشوة في عملية بيع أسلحة في تايوان سنة 1991.

 

ونتج من كل ذلك إدانة دوفيلبان وقامت جريدة «لوموند» بنشر دفتر ملاحظات الجنرال روندو مسئول التحقيق يورط فيه الرئيس شيراك ودومينيك دوفيلبان ويتهمها بالكذب

وأيضا نذكر قبلها ووترغيت وهو اسم لأكبر فضيحة سياسية في تاريخ أمريكا. وقد أشاعت القضية صحيفة الواشنطون بوست الأمريكية، وذلك بواسطة الصحفيين «كارل برنستين» و«بوب وود ورد». حيث كشفت قيام الرئيس نيكسون بالتجسس على مكاتب الحزب الديمقراطي منافسه في الانتخابات في مبنى ووترغيت. وفي 17 يونيو 1972 ألقي القبض على خمسة أشخاص في واشنطن بمقر الحزب الديمقراطي وهم ينصبون أجهزة تسجيل مموهة. كان البيت الأبيض قد سجل 64 مكالمة.

 

فتفجرت أزمة سياسية هائلة وتوجهت أصابع الاتهام إلى الرئيس نيكسون. استقال على أثر ذلك الرئيس في أغسطس عام 1974. وتمت محاكمته بسبب الفضيحة، وفي 8 سبتمبر 1974 أصدر الرئيس الأمريكي جيرالد فورد عفواً بحق ريتشارد نيكسون بشأن الفضيحة.

 

فهذا دور الإعلام حين يملك قراره ويستفيد من مناخ الحرية العام فيؤدي دورا حقيقيا ومهما وهو دور لا ينتهي وإن كان يعتمد على شعور الممارسين للإعلام بأهمية دورهم ومسؤوليتهم تجاهه والدور الآخر للمجتمع حين يسعى لتوفير حماية لهم للقيام بهذا الدور للمساهمة في تقدمه ورقيه فالحرية تقابلها مسؤولية للطرفين.