بقلم: د. ياسر عبد التواب

في تقرير للصحفية دنيز رحمة  نشر على الاندبندنت  السبت 14/6/2023 م

جاء فيه التالي:

لم يلمس من التقى الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، الذي زار لبنان لـ 3 أيام، تصلباً في التمسك بالمبادرة الفرنسية السابقة ولم يسمعوا منه أيضاً كلاماً مباشراً يوحي بالتخلي عنها. كثر ممن التقوا السياسي الفرنسي المخضرم خرجوا بانطباع واضح بأن باريس تريد طي صفحة المقايضة القائمة على فرنجية – سلام، لكن ليس قبل تحديد الوجهة الجديدة وضمان نجاحها.

..

غادر لودريان لبنان على أن يعود إليه الشهر المقبل وقد يكون الموعد بعد 14 يوليو (تموز)، وقد باتت لديه نظرة شاملة للأزمة الرئاسية استناداً إلى التنوع الذي ميز لقاءاته، سيعرضها على الرئيس إيمانويل ماكرون والخارجية الفرنسية والمجموعة الخماسية، لكن الحل لا يبدو أكيداً أو قريباً كما تقول مصادر نيابية في المعارضة، خصوصاً أن الثمن لتنازل «حزب الله» أو قبوله بالتوافق على رئيس مقبول من قبل المعارضة، لا قدرة للداخل أن يقدمه له.

وتكشف مصادر دبلوماسية لـ«اندبندنت عربية» أن الأمل ضعيف في قدرة فرنسا وحدها على إيجاد حل للأزمة الرئاسية في لبنان، وتتحدث عن مساع حوارية يقودها الفاتيكان مع إيران في شأن ملف لبنان، انطلاقاً من مخاوف الكرسي الرسولي على محاولات تغيير هوية بلاد الأرز، بعدما بلغه تصميم «حزب الله» على التشدد بالملف الرئاسي للوصول إلى تغيير النظام. وأكدت المصادر الدبلوماسية أن الفاتيكان أعطى مهلة شهرين ليصل في حواره مع طهران إلى الحل. وإلا فإن الملف اللبناني سيتجه إلى التدويل، وقد تكلف المجموعة الخماسية بعقد مؤتمر من أجل لبنان.

ونقول:

لبنان بلد عربي متعدد الهويات وليس بلدا تابعا لأحد

إنها لمهزلة حقا أن نشاهد بأعيننا هذا التدخل السافر للدول في شؤون دولة عربية بين دولنا وهي جارة لنا ومنضوية تحت انتماءات إقليمية كجامعة الدول العربية (منذ عام 1946 م )

واللغة العربية هي لغتها الرسمية من بعد كفاح مرير للتخلص من الاحتلال وتحمل بين جنباتها ثقافتنا وعراقتنا وقد مرت بها حضارات ساهمت في ثقافتها وتنوعها

 لكنها في النهاية منتمية للثقافة العربية والإسلامية بشكل عام وخاصة أن وجود المسيحية بطوائفها المختلفة الذي يمثله 40 % من السكان ليس وجودا غالبا بل المسلمين بمجملهم حوالي 60 بالمائة  ( وجرى العرف الدستوري غير الرسمي أن يكون الرئيس فيها مسيحيا بخلاف كل الدول العربية والحكم فيها جمهوري برلماني)

المسيحية والشيعة في لبنان وتدخلات خادعة 

والمسيحية في لبنان وجود تلقائي طبيعي لمواطني الدولة لا يمنح لأحد الحق التدخل فيها باسم الدين المسيحي لأنهم من سكان البلد الأصليين وليسوا أقليات مثلا فيمنح للدول الأصلية الحق في الدفاع عن سكانهم وأبناء ثقافتهم بل هم جزء من مكون الدولة الذي يشمل بخلافهم المسلمين والشيعة ( التي تتمحك فيها طهران أيضا) من بين 18 طائفة معترفا بها

لكن الآن: فرنسا -الفاتيكان- طهران..كلهم يتداولون الآن ذلك الإرث الذي يتدخلون فيه دون وجه حق ودعك من كل أقاويل السيادة على الدولة أو الحكم للشعوب أو منع التدخل في شؤون الدول الأخرى

 وبكل بساطة -بعد التحرر السابق من احتلالهم- يرسلون من يتفاهم ويتفاوض من أجل أن تحتفظ لبنان بوضعيتها المحافظة على «هوية بلاد الأرز»  كما وصف في التقرير أي بالنصرانية التي بشكل واضح تمد انتمائها إلى تلك الدول بالخارج من خلال تحكمات الساسة وليس للمصلحة الكبرى للدولة نفسها وهناك تخوف لديهم من فرض الحاكم من خلال الشيعة لذا ضموا طهران للمائدة!

كأننا في العصور الوسطى  – تدخلات وتحكمات

بل وكأننا في العصور الوسطى حين كان المسيحيون في بلاد الشام بشكل خاص يمثلون امتدادا للحروب الصليبية ويتدخلون من خلالهم

لذا يتفاهمون ويتفاوضون الآن باعتبارهم أصحاب الحق: فرنسا المستعمرة السابقة والفاتيكان الراعي للمسيحية وكأننا عدنا للاحتلال السابق أو للحروب الصليبية أو لهما معا في إفراز يدمجهما لصالح رغباتهما وليس لمصلحة الدولة نفسها بالطبع

 وقد نالت البلد من جراء كل تلك التحكمات الضرر عبر العصور ولا سيما في الحروب الصليبية أو في الحروب العالمية

وفي وقت ما كانت هناك ولاية للنظام السوري والسعودي مؤخرا أيضا فلم تستقر البلد بسبب ذلك كثيرا

 وربما لأن البعض يحاول فرض ولايته وفقا لمحاصصة طائفية بعيدة بشكل ما عن تحسس المصلحة العامة للجميع فتميل إلى جهة المتحكم فيها أكثر من غيرها

مثلا بقية الطوائف المسيحية أيضا ليس لهم كبير نصيب رغم اشتراكهم في تكثير سواد المسيحيين

حرب أهلية سابقة فهل تعود لنفس أسباب اندلاعها ؟

لقد أفرزت تلك التدخلات سابقا حربا أهلية اندلعت عام 1975 م واستمرت لسنوات تضمنت الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وحوصرت بيروت وعانى الشعب وكانت مجازر مثل صابرا وشاتيلا وغيرها

ثم يأتون لنفس التحكم بدون خجل لتتكرر معاناة الشعب مرارا

ألا يلحظ هؤلاء ما يعاني منه الشارع اللبناني من عوز وضعف اقتصاد وتشرذم واحتياج؟

ألا يشاهدون العملة تنهار والبنوك تعجز والفقر يلتهم الطبقات كلها حتى المتوسطة والغنية؟

ثم يجلسون للتفاهم والتحاصص لئلا يفقدوا التحكم في دولة الأرز! ..

كمثل كل قوى الاستعمار التي همها كسب نقاط تفوق جغرافيا وماليا وسياسيا على منافسيها في المناطق المختلفة

وهذه نقاط نتذكرها لندرك أن أساس المشكلات هو تدخل الدول الخارجية في شؤون لبنان هو ما يفاقم تلك الحساسيات ويرفع مستويات الخلاف بين شركاء الوطن

وهذا كله من جهة بينما جماعات مثل حزب الله التي تملأ الدنيا ضجيجا وتتدخل في الشؤون العامة للدولة وتفرض وجودها وتناوش غيرها ويعلوا صوتها فلا نسمع لها حسا فيما يدور الآن وقل نفس الشيء عن المكون السني الذي هو دائما مهمشا ومتجاهلا رغم عراقته وعدده الكبير

فغاية ما هنالك يتم التفاهم مع الدولة التي ترعى هذا الحزب (إيران) حيث لا علاقة للمتفاوضين بمن يقوم بحراسة المكان بل بسيده الذي يمسك بطوقه

الخلاص الحقيقي للبنان

بينما الأمر وخلاص الوطن وعودته لحياة طبيعية سياسيا ومن ثم اقتصاديا  لن يتم بنفس طريقة الأخطاء السابقة في المحاصصة وجذب الدول لمن تتحكم فيهم وترضى عنهم من الداخل

بل بوجود ساسة نظيفو السيرة مخلصو الانتماء يعلون مصالح الوطن ويقدرون التحسسات ويعدلون بين المواطنين بغض النظر عن عرقياتهم أو انتمائهم الديني