👈 قال: لاحظت وأنا أقرأ في تفسير البيضاوي رحمه الله أنه يذكر وجوها من القراءات لبعض كلمات القرآن ليست موجودة في القراءات العشرة المتواترة! ولا في القراءات الأربعة الشاذة! فماذا تقول في ذلك؟..

قلت: نعم.. هناك قراءات كثيرة غير القراءات العشرة المتواترة والقراءات الأربعة الشاذة.. ومنها ما هو مقبول ومنها ما هو مردود..

هناك قراءات مقبولة غير القراءات المتواترة؛ كالقراءات المشهورة، والقراءات التي صحّ سندها ولكنها خالفت رسم المصحف العثماني أو اللغة العربية..

وقراءات مردودة غير القراءات الشاذة؛ كالقراءات الموضوعة والقراءات المدرجة..

👈 قال: أووه الموضوع كبير.. ليتك توضح لي أكثر..

قلت: يا سيدي.. لقد وضع أئمة الإسلام المتخصصون الأوائل ميزانا دقيقا قُسمت على إثره القراءات إلى أنواع مختلفة.. ووضعوا أركانا ثلاثة لقبول القراءة هي:

– موافقة اللغة العربية

– موافقة الرسم العثماني

– صحة السند (تواتر السند)

وفي ذلك قال ابن الجزري:

        فكل ما وافق وجه نحوِ     وكان للرسم احتمالا يحوي

        وصح إسنادا هو القرآنُ       فهذه الثلاثة الأركانُ

        وحيثما يختل ركن أثبتِ     شذوذه لو أنه في السبعةِ

وبناء عليه حصروا القراءات في ستة أنواع:

١- القراءة المتواترة: وهي أفضل القراءات وهي التي نسميها الآن القراءات العشرة.. وهي التي رواها جمع كثير عن جمع كثير لا يمكن أبداً تواطؤهم على الكذب.. ووافقت الرسم العثماني واللغة العربية..

٢- القراءة المشهورة: وهي القراءة التي صحّ سندها ووافقت العربية وأحد المصاحف الثمانية سواء عن الأئمة السبعة أو العشرة، وتكون قد اشتهرت عند القراء فلم يعدّوها من الخطأ ولا من الشذوذ، إلا أنها لم تبلغ درجة التواتر.

٣- القراءة التي صحّ سندها وخالفت الرسم أو العربية: مثل قراءة عاصم الجحدري عن أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفارَفٍ خُضْرٍ وَعَباقَرِيٍّ حِسَانٍ)..

٤- القراءة الشاذة: وهي القراءة التي لم يصحّ سندها كقراءة (فَالْيَوْمَ نُنَحِّيكَ بِبَدَنِكَ) بالحاء المهملة.

٥- القراءة الموضوعة: وهي القراءة التي تُنسب إلى قائلها من غير أصل كالتي جمعها محمد بن جعفر الخزاعي ونسبها إلى الإمام أبي حنيفة كقوله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) حيث قرأها برفع الهاء من لفظ الجلال ونصب لفظ العلماء.

٦- القراءة المدرجة: وهي زيادات على قراءة صحيحة، كقراءة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه (وله أخ أو أخت من أم) بزيادة (من أم).

ولا بد أن تعلم أن الأنواع الثلاثة الأخيرة من أنواع القراءات التي تقدم ذكرها ردّها العلماء كلهم واستبعدوها وهي بالشاذة والموضوعة والمدرجة، وقبلوا ما سواها من الأنواع الثلاثة الأول.

وقد بذل علماء الأمة جهداً جباراً لتمييز الثلاثة الأنواع الضعيفة التي تقدم أنهم استبعدوها وتخصص– بفضل الله– لكل نوع منها فريق من الجهابذة والثقات الناقدين، حتى جلّوها وميزوها عن باقي القراءات الصحيحة.

ففي مجال القراءات الشاذة

١- ألّف الإمام ابن خالويه المتوفى سنة ٣٧٠هـ كتاباً في القراءات الشاذة أسماه (المختصر في شواذ القراءات).

٢- ألّـف الإمام ابن جنى المتوفى سنة ٣٩٢هـ كتاباً أسماه (المحتسب في توجيه القراءات الشاذة).

٣- ألّف الإمام أبو البقاء العكبري المتوفى سنة ٦١٦هـ كتاباً أسماه (إملاء ما مَنَّ به الرحمن).

٤- وهناك جهود أخرى لا تنكر لأئمة آخرين في نفس المجال إلا أن الثلاثة التي تقوم ذكرها كانت هي الأساس في تمييز القراءات الشاذة.

وكان من ثمرة هذه الدراسات التي قدمها هؤلاء الأئمة النقاد أن رفضت أربع قراءات سميت بالقراءات الشاذة وهي:

١- قراءة الحسن البصري المتوفى سنة ١١٠هـ

٢- قـراءة محمد بن عبد الرحمن بن محيصن المتوفي سنة ١٢٣هـ

٣- قراءة يحيى بن المبارك اليزيدي المتوفى سنة ٢٠٢هـ

٤- قـراءة أبي الفرج محمد بن أحمد الشنبوذي المتوفى سنة ٣٨٨هـ.

أجمع العلماء على أنه لا يجوز القراءة بها، حكى ذلك الإمام ابن عبد البَرّ، كما أنه لا يصَلَّى خلف من قرأ بها.

أما في مجال القراءات الموضوعة

فقد بذلت أيضا– بفضل الله– فيها جهود كبيرة سلفاً وخلفاً، وكان أفضل من ألّف فيها، الإمام أبي الفضل محمد بن جعفر الخزاعي المتوفى سنة ٤٠٨ كتاباً أسماه (المنتهى).

وأجمع العلماء على أنه لا يجوز القراءة بها، إذ أنهم أجمعوا على عدم جواز القراءة بالقراءات الشاذة، فالموضوعة من باب أولى.

وأما في مجال القراءات المدرجة

فقد ميزها العلماء الناقدون واستفادوا بها في تفسير الآيات التي وقع فيها هذا الإدراج؛ لأن هذه الزيادات التي أدرجها الصحابة رضوان الله عليهم، زيادات لقوم عاصروا الوحي وشاهدوا التنزيل وسمعوا التفسير من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم أعرف من غيرهم بمواقع الكلام ومقاصده.

والله أعلم.