لفت نظري ذكر «التوابين» قبل «المتطهرين» في سياق الكلام عن الطهارة في الآية الكريمة «٢٢٢» من سورة البقرة..

الكلام في الآية الكريمة عن قضية اجتناب الزوجات في فترة محددة وهي زمن الحيض… وقضية الطهارة حاضرة في الذهن.. وحب الله للمتطهرين حاضر في الذهن أيضا..

لكن لعلة اقتضتها إرادة الله وحكمته جاء ذكر حب الله للتوابين قبل حبه للمتطهرين..

نحاول في هذا المقام أن نقترب من هذه الحكمة وتلك العلة..

نسأل الله أن يوفقنا ويهدينا إلى سواء السبيل.

ابتدأت الآية الكريمة بالأسلوب القرآني البديع والبياني الرفيع؛ بـ ((يسألونك))..

((ويسألونك عن المحيض))

سبحان الله.. استخدم القرآن الكريم لفظ ((المحيض)) وليس الحيض.. لأن لفظ المحيض يفيد معنيين معا؛ هما زمن الحيض ومحل الحيض..

قال جل شأنه: ((قل هو أذى)) ولفظ أذى لفظ واسع المعنى والمفهوم يفيد معاني كثيرة يجمعها نوعين من الأذى؛ أذى للرجل وأذى للمرأة..

ثم قال جل شأنه: ((فاعتزلوا النساء في المحيض)) زمنا ومحلا.. أي زمن الحيض ومحله… ليفيد بجواز ما عدا ذلك بأخصر عبارة وألطف إشارة..

ثم ختمت الآية الكريمة بتكريم عظيم ومنقبة كبيرة لمن يطبق تعاليم ربه وينفذ أوامره بأنه يحبه.. فقال جل شأنه: ((إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين))..

وسياق الكلام عن الطهارة والمتطهرين من الأخباث والنجاسات.. فمناسبة حب الله جل وعلا للمتطهرين حاضرة في الذهن…

لكن البيان القرآني العظيم يأتي بشيء غير حاضر في الذهن؛ وهو التوبة والإكثار منها.. ويستخدم لفظ ((التوابين)) يعني المكثرين من التوبة وليس التائبين فحسب..

ومن وجهة نظري القاصرة أن الحق جل وعلا أراد أن يلفت أنظارنا لأمرين:

أولهما: أن التوبة وهي التطهر من الذنوب أوجب وأهم من التطهر من النجاسات والأخباث.. أي أن التطهر من (النجاسات المعنوية) أهم من التطهر من (النجاسات الحسية)..

ثانيهما: وجوب الإكثار من هذه التوبة وجعلها عادة مكررة كتكرار عادة المرأة وهي الحيض الذي يصيبها دائما ويكرر شهريا وتسميه النساء (العادة) لهذا السبب.. فلتكن التوبة عادة مكررة كما الحيض والتطهر منه عادة مكررة…

ولذلك جاء اللفظ بصيغة المبالغة (التوابين) وليس (التائبين).. ليوجهنا إلى الإكثار من التوبة… فالمطلوب كثرة التوبة وليس مجرد التوبة..

فاجعلنا اللهم بفضلك من (التوابين) ومن (المتطهرين)..

من باب التحدّث بنعمة الله.. ليس فخرا..

عندما كتبت المنشور أدناه في عام ٢٠١٧ كنت أتخيّل أنني نضجت وصرت أتدبّر كلام الله عزّ وجل في شيخوختي هذه- وأنا الآن على أبواب الستين من عمري- أكثر من أيام الشباب والكهولة..

بيد أني عثرت الساعة على كلام كنت قد كتبته منذ أكثر من ٣٠ عاما، وقد نُشر في كتابي بداية الطريق في نفس موضوع هذا المنشور ووجدته كلاما مهما فيه إضافة لم تخطر ببالي أبدا عند كتابة المنشور المشار إليه، ولا أدري هل أنا قائل هذا الكلام أو غيري ولا من أين نقلته؟!..

والكلام نَصّا كما بالصورة في أول تعليق:

قوله تعالى: (يُحبُّ التَّوَّابين ويُحبُّ المُتَطَهِّرين) قدَّم التوابين على المتطهرين، حتى لا يُعجب المتطهر بنفسه، ولا يقنط الذي كان عاصيًا ثم تاب، قال تعالى: (فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله) وحتى لا يعجب السابق بالخيرات بنفسه..

فالحمد لله على فضله وإنعامه.. ونسأله سبحانه حُسن الفهم عنه وتدبّر كلامه..