الكثير من الأخوة يبني آمالا على الاحتجاجات في إيران، ورغم أملنا جميعا بسقوط ولاية الفقيه ولكن الحقيقة هي أن النظام الدولي لن ولا يسمح بسقوط إيران في الفوضى ولا يوجد أحد من الكبار يتبنى مشروع إسقاط نظام ولاية الفقيه أو تقسيم إيران.

ومن المفيد التذكير بان ما يجري في إيران ليس منعزلا عما يجري في الهند من اشتباك ديني وما يجري في باكستان من اشتباك سياسي،

وبالتالي فان القوى الدولية ليست في وارد أحداث تغيير في إيران وخلق مناطق توتر جديدة لان ذلك سيؤثر كثيرا على الغرب الذي يريد تهدئة الساحات لأنهم غير جاهزين للمواجهة الآن.

ولو يدقق المرء في الملاحظات أدناه سيتأكد أن تغيير النظام في إيران ليس على خارطة الاهتمامات الدولية اليوم

 ▪️ففي حملة بايدن الانتخابية كان يركز على الإطاحة بأردوغان وعزل ابن سلمان مع التأكيد على ضرورة إحياء الاتفاق النووي مع إيران.

▪️ إستراتيجية الأمن القومي التي أعلن عنها بايدن وتحدثت عنها في مقال سابق لم تضع إيران أو تغيير النظام فيها على قائمة الاهتمامات

بل تكتفي بالتركيز على مواجهة المد الصيني والروسي ومحاربة الإرهاب السني وهذه الأهداف الثلاث تحتاج إلى شركاء تأتي إيران في مقدمتهم.

▪️ في الأسابيع الماضية شهدنا ثلاثة تحولات تمثلت في

❗ اتفاق إيراني أمريكي على تعيين مرشح إيران رئيسا للوزراء في العراق

❗ رفع الحظر عن صادرات إيران النفطية

▪️ اتفاق أمريكي إيراني على ترسيم الحدود البحرية بين الكيان الصهيوني ولبنان.

❗وقد كتبت في نيسان من عام2020 مقالا يمكنني اقتباس فقرة منه قلت فيها (وأصبح الغاز الروسي والإيراني وغاز شرق المتوسط هو الذي يرسم خارطة التحالفات الدولية والإقليمية.

وأصبحت حروب خطوط الغاز بديلا عن حروب السيطرة على خطوط إمدادات النفط.

الغرب اليوم يحتاج إيران لتخفيف اعتماده على الغاز الروسي، ومن المتوقع أن يصل مجموع طلب دول جنوب شرق أوروبا ودول وسط أوروبا

التي يمكن أن يصل لها الغاز الإيراني إلى 62.3 مليار متر مكعب في 2025، ثم 65.2 مليار متر مكعب في 2030.

وفي عهد أوباما، خلال المفاوضات النووية، كانت الولايات المتحدة بالفعل تُغرِي إيران سِرًّا بسوق الغاز الأوروبية،

ومنذ عام 2014 بدأت أوربا تفكر جديا بالاعتماد على إيران لكي تتحرر من قبضة روسيا التي تتحكم في تزويد أوربا بثلث ما تحتاجه من الغاز مما يجعلها أسيرة لروسيا.)

واليوم يحصل ما توقعناه حرفيا.

وعلى جانب آخر أعتقد أن بعض الأخوة ممن رافقونا على مدى عقد من الزمن يتذكرون كلماتي وبعضهم قد احتفظ بها في دفتر مذكراته يوم كتبت أقول:

▪️لو كنت مستشارا للأمن القومي الأمريكي وطلبوا مني رسم خارطة التحالفات فاني

 لا ولن أجد أفضل من إيران والشيعة كحلفاء استراتيجيين للولايات المتحدة على المدى البعيد والمتوسط ،

وذلك لاعتبارات عديدة قد يكون من بينها التطابق الفكري والأيديولوجي في اعتبار العرب والمسلمين عدوا مشتركا،

وقد أثبتت تجربة أمريكا في غزو العراق وأفغانستان أن الشيعة وإيران يمثلون الحليف الأرخص تكلفة والأكثر نفعا لأنهم الأقدر على تفتيت الأمة العربية والإسلامية والأكثر حقدا على العروبة والإسلام،

▪️مضافا إلى ذلك الاعتبارات الإستراتيجية في أهمية إيران على المدى البعيد لحفظ التوازن في آسيا الوسطى إمام التمدد الروسي والصيني بما يمثلان من منافس للقوة الأمريكية،

فرغم ازدهار العلاقات الإيرانية مع كل من روسيا والصين ولكن الخارطة التاريخية وحقائق الجيوستراتيجيا تفرض أن يكونوا في حالة صدام تغلفه المنافسة،

فقد كان ممكنا أن تتحالف روسيا مع إيران عندما كانت إيران مجرد دولة تمثل رقما في المصالح الروسية

ولكن عندما أصبحت إيران قوة إقليمية فإنها لابد أن تبحث عن آفاق جديدة خارج حدودها وستكون آسيا الوسطى ساحة التنافس الروسي الإيراني الصيني،

 وبناءا على تلك المعطيات فقد ساهمت الولايات المتحدة وأوربا بالحفاظ على إيران لجهة التغاضي عن تنامي قوتها العسكرية والنووية،

 بالإضافة إلى عدم المساس بوحدة الأراضي الإيرانية،

 إيران تتشكل من فسيفساء من الشعوب

وكان يمكن للغرب أن يشجع أي منها في تشكيل حركة انفصالية ورغم حالات العداء الظاهري إلا أن الغرب وأمريكا قد عملوا على الحفاظ على وحدة الأراضي الإيرانية لأنهم يدركون أهمية الحاجة لإيران قوية مستقبلا..

 ومن هنا يمكن القول إن الولايات المتحدة حين تضع المواجهة مع روسيا والصين في سلّم أولوياتها فأنها حتما ستبحث عن شركاء والشركاء الذين يجري التنافس عليهم هم (الهند وإيران وباكستان).

وبالتالي ليس من مصلحة الغرب وأمريكا أن تؤدي الاضطرابات في إيران إلى تغيير النظام لان ذلك قد يؤدي إلى تفكك إيران وهذا خط احمر،

لا تقبل به روسيا لجهة خوفها من التمدد السني بجوارها، ولا تريده أمريكا لجهة عدم رغبتها في خسارة دولة قوية كانت عبر التاريخ حليفا للغرب في مواجهة الإسلام السني غربا وفي مواجهة الدب الروسي والتنين الصيني شرقا.

أما في الجهة الأخرى في الخليج والجزيرة العربية فلا يمكن إغفال أهمية التحالف مع إيران مع الغرب وفي التاريخ شاهد على أهمية العلاقات والتحالفات الغربية الإيرانية

ويكفي أن نشير إلى رسالة القائد البرتغالي البوكيرك إلى الشاه إسماعيل الصفوي، التي قال فيها:

«إني أقدّر لك احترامك للمسيحيين في بلادك، وأعرض عليك الأسطول والجند والأسلحة لاستخدامها ضد قلاع الترك في الهند،

وإذا أردت أن تنقض على بلاد العرب أو أن تهاجم مكة ستجدني بجانبك في البحر الأحمر أمام جدّة أو في عدن أو في البحرين أو في القطيف أو في البصرة وسيجدني الشاه بجانبه على امتداد الساحل الفارسي، وسأنفذ له كل ما يريد»

(الصفويون والدولة العثمانية ص 49ـ 50.)

ومن هنا فان التدخل الإيراني في سوريا واليمن لم يكن بعيدا عن ضوء اخضر غربي أمريكي لإيران في مواجهة عدوهم اللدود.

من عائدة بن عمر

عضو مؤسس في منظمة «إعلاميون حول العالم»