يخطأ الكثير من كتاب أعمدة الرأي والمشتغلين في ميدان التحليل السياسي عندما اعتمدوا فرضية خاطئة انطلقوا منها في معالجة مقاربة ملف اللقاءات السورية التركية الروسية،

وقد تمثل ذلك الخطأ في أنهم افترضوا بان هدف تلك اللقاءات يندرج في سياق حاجة تركية في إطار الدعاية الانتخابية،

وتم تفسير التوجه التركي باعتباره حاجة انتخابية تركية يستفيد منها السيد اردوغان للتخلص من أعباء ملف اللاجئين السوريين الذين تم الاستثمار فيه من قبل المعارضة،

وأن السعي التركي إنما يدخل في باب تسجيل انتصار لنظام الأسد على اعتبار أن طلب تركيا التنسيق معه يمثل اعترافا من الجانب التركي بالأمر الواقع،

وقد أدى ذلك التحليل الخاطئ وما تبعه من استنتاجات مغلوطة إلى القول بان شهية النظام وداعميه قد انفتحت للتمادي والتصلب في مواقفهم لجهة عرقلة التقدم في مسار الطاولة الثلاثية أو الرباعية.

ولكن الحقيقة تكمن في مكان آخر

إذ إن موضوعة اللاجئين ليست بهذه البساطة التي يمكن حسمها عبر لقطة مصورة للقاء عابر بين وزراء الخارجية خلال شهرين،

فهي تحتاج إلى ترتيبات لوجستية قد تستغرق أكثر من عامين، مع موارد بشرية وتفاهمات دولية، وتسويات سياسية،

وهي خاضعة لقواعد وأعراف ومواثيق دولية تضمنها قوانين صادرة من الأمم المتحدة وهيئاتها

وبالتالي فليس من الصواب بمكان أن يذهب البعض إلى تبني فرضية أن الجانب التركي يسعى لتحقيق اللقاء للفوز بدعاية تسعفه في معركته الانتخابية القادمة في ملف اللاجئين التي تحتاج إلى سنتين

فيما لم يتبق للانتخابات سوى شهرين من الزمن،

وبالتالي فان هذا الافتراض الخاطئ قد أوصل هؤلاء إلى استنتاجات خاطئة.

أما الحديث عن قوة الأسد وانتصاره فهو الآخر محض وهم وتوهم،

فمثل تلك اللقاءات المزمعة لا تضيف للأسد نصرا ولا تعبر عن حقيقة ما يسمى بالأمر الواقع

لأنها ببساطة تضع الأسد ومن يقف خلفه من الروس والإيرانيين سوية مع النظام في موقف العاجزين عن تقديم أي شيء ،فاللقاء يكشف ضعفهم أكثر مما يعبر عن قوة النظام المتهالك.

حيث إن بوتين الذي يغرق في مستنقع أوكرانيا لم يعد بإمكانه تحمل الأعباء الناتجة عن دعم الأسد ماليا وتغطيته دوليا،

وإيران هي الأخرى قد وصلت إلى طريق مسدود في مشروعها الذي فقد مشروعيته حتى في الداخل الإيراني،

ونظام الأسد لا يمتلك الأدوات التي تجعله قابلا للحياة ويفقد القدرة

حتى على إعالة ذلك الجزء من الشعب الذي ظل يعيش تحت ما يسمى بمناطق سيطرة النظام.

لقاء ثلاثي أو رباعي

فحين تتحدث عن لقاء ثلاثي أو رباعي فإننا لا نتحدث عن مجرد لقاء علاقات عامة

بل إن تلك اللقاءات تكون مرهونة بتخطيط وجدول أعمال ونوايا وآليات لتطبيق المقررات

التي يخرج بها مثل هذا الاجتماع، والنظام عاجز بالكامل عن الحوار

لأنه لا يمتلك القدرة على تنفيذ أي مقررات لأنه لا يمتلك الآليات المطلوبة عسكريا وماليا واجتماعيا،

فالنظام ليس بمقدوره معالجة مخاوف تركيا الأمنية لجهة حماية الحدود السورية التركية

في ظل تواجد الميليشيا الانفصالية الكردية تحت مظلة الحماية العسكرية الأمريكية،

ولا يمتلك الإمكانات اللوجستية والبنية التحتية التي تمكنه من استقبال المهجرين واللاجئين،

 وهو غير قادر على القبول بقرارات الشرعية الدولية لجعة الحل السياسي.

وبالتالي فان امتناع النظام عن السير قدما في اتجاه المصالحة مع تركيا لا ينبع من قوة النظام بقدر ما يعبر عن مأزق يعيشه

يتمثل في انه لا يمتلك أي من الأوراق التي يمكن أن يفاوض عليها أو أي ضمانات من المفروض أن يقدمها للجانب التركي .

الصحيح هو أن الجانب التركي اليوم هو الذي يفاوض مستندا على فائض القوة التي يمتلكها بعد تغير موازين القوى

التي فرضتها الحرب الأوكرانية وبروز تركيا كلاعب رئيسي يحتاجه الغرب وروسيا على حد سواء في صراعهم،

وتحتاجه إيران في البحث عن شرعية في المنطقة،

ومن هنا فان اللقاء إذا حصل فستكون تركيا هي من تمتلك أوراق الضغط وليس العكس كما يتوهم الكثيرون

وَمنْ هنا جاءت محاولات الأسد وداعميه لعرقلة هذا المسار ليس لأنهم أقوياء

ولكن لأنهم يعيشون حالة من العجز تجعلهم غير قادرين على تقديم أي شيء لأنهم لا يملكون أي شيء.

من عائدة بن عمر

عضو مؤسس في منظمة «إعلاميون حول العالم»