خرجت أفغانستان من الاحتلال الأمريكي والعمالة لدول الشرق والغرب بعد التضحيات التي قدمها الشعب الأفغاني التي استغرقت عشرات السنين ذهب ضحيتها آلاف النفوس وهجِّر ملايين ودمِّرت بيوت واغتصبت خيرات هذه الأرض المباركة التي تضم في طياتها معادن الذهب وغيرها.

لم تنته القصة عند هذا الحد، حيث لم تجلس دول الغرب والشرق الطامعة مكتوفة الأيدي، بل بدأت بالمقاطعة الاقتصادية حيث هي الورقة الوحيدة عندهم للضغط على هذا الشعب الأبي للخضوع لمطالبهم ومطامعهم.

وقد سبق المقاطعةَ الاقتصاديةَ تفريغُ خزائن الدولة والبنوك من الفلوس، وجمِّدت مليارات الدولار في بنوك الغرب، كما تم الغصب والاستيلاء على الممتلكات الحكومية من النظام السابق، وكل هذا ساهم في تعميق أزمة إنسانية خانقة حيث ازداد الفقر بنسبة كبيرة.

حاولت طالبان من أول يومها أن تقدم للعالم وجها مختلفا عما سبق في كيفية تعاملها مع العالم ومع الشعب، وقد نجحت في هذا الباب نجاحا باهرا حيث أقر العالم على سلمية هذه الحركة وعلى مراعاتها حقوق الشعب.

السؤال المطروح: إلى متى تدوم هذه المقاطعة، وإلى متى يتحمل الشعب الأفغاني هذا الفقر، وهل باستطاعة طالبان استدامة الحكم في ظل المقاطعة العالمية؟

ومما لا يدع مجالا للشك

أن الحركة قدمت تضحيات كبيرة في إخراج المحتلين ربما لم يتيسر لأي شعب آخر أن يقف هذا الوقوف الصامد في وجه أعتى وأقوى دولة على وجه الأرض،

وعليه فإن طالبان لن تتنازل بعد كل هذه التضحيات عن مواقفها وثوابتها وإسلاميتها مهما كانت الظروف،

لذلك لن تجدي المقاطعة الاقتصادية أي نفع لإرغام طالبان على قبول مطالب دول الشرق والغرب.

وفي هذا يقول سهيل شاهين، المتحدث باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في قطر:

“أعترف أن لدينا بعض المشاكل رغم تراجع المشاكل الأمنية مع سيطرة طالبان على البلاد، لكنها ليست مشاكل من شأنها أن تهدد بقائنا،

فقبل عشرين عاما بدأنا المقاومة من الصفر ضد الاحتلال الأمريكي ونجحنا في تحرير بلادنا”.

والشيء الملفت للنظر أن أفغانستان بدأت تتمتع بالأمن التام بعد سيطرة الحركة عليها حيث استتاب الأمن في كل أفغانستان، وهذا ما أقر به الجميع.

الأزمة الاقتصادية.. وتوفير الأمن

ورغم ما يعاني الشعب الأفغاني من الأزمة الاقتصادية إلا أن الشيء الذي يجعلهم يتحملون الفقر هو توفير الأمن الذي افتقده الشعب منذ عشرات السنين،

أما كيف يمكن لطالبان استدامة الحكم في ظل الفقر المتفشي،

فلا يخفى أن التبادلات التجارية جارية مع دول الجوار حيث تمكنت الحركة من توفير المال من عائدات الجمارك والضرائب وكثير من الموارد الأخرى،

كما أن الكثير من الدول بدأت بإقامة علاقات تجارية ودبلوماسية مع الحكومة الجديدة، وبدأ الاقتصاد في تحسن إلى حد كبير.

ويبدو أن أفغانستان سوف تشهد تحسنا في كل الأصعدة في ظل الحكم الجديد، خاصة وأن الفساد الحكومي اقتلعت جذوره،

وساد الأمن في أنحاء أفغانستان، كما أن الشعب لم يلق من النظام الجديد إلا التعاطف والخدمة وتوفير السهوليات والأمن وما إلى ذلك.

المهم أن تتمشى الحكومة الجديدة مع مقتضيات العصر الجديد ومستجداته مع المحافظة على الأصالة،

وأن تعيد علاقات جيدة مع كل دول العالم آخذة بالحكمة ومتجنبة عن كل مظاهر العنف والتطرف.

وتشارك كل الأطراف والمكونات والأحزاب في تشكيل الحكومة بغض النظر عن الانتماءات المذهبية والفكرية.

وأن تحسن علاقاتها مع دول الجوار، لأنها أحق بالشفعة، وأجدر بأن يعنى بها، و

بخاصة في مجال التجارة والاقتصاد. وعندئذ ستشهد البلاد تقدما في كل المجالات وتمثل دورا إيجابيا في كل الميادين.

طالبان عصية

والحق أن الدول الغربية تدرك جيدا أن طالبان عصية عليهم،

وأنه ليس في قاموسهم شيء من ألفاظ الهزيمة مهما كانت الضغوطات الاقتصادية

وأن لديهم مشاريع أخرى لتنمية مستوى الاقتصاد إلا أنها لن تعترف بنظام قائم على أساس الإسلام،

يحكم فيه الإسلام ويكون الإسلام هو المهيمن في التقنين والتشريع،

لذلك لا تألو أي جهد للحط من شأن هذه الحكومة وتقليص دورها والتشويه بسمعتها،

وقد أثبت الغرب غير مرة عداءه السافر مع كل ما يمت إلى الإسلام بصلة،

وجندت كل طاقاتها لإخماد كل دعوة نهضة تدعو إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وما يوم حليمة بسر.

وعليه فإن القضية هي قضية الإسلام والعلمانية،

الغرب يريد أن تحكم العلمانية البلاد الإسلامية ليمكن من خلالها تنفيذ مخططاته ومشاريعه،

والشعوب الإسلامية تأبى إلا الإسلام.

ويأبى الله والمؤمنون إلا أن يتم نور الإسلام والإيمان.

عبد الرحمن محمد جمال

من عبد الرحمن محمد جمال

مدرس بجامعة دارالعلوم زاهدان - إيران، مهتم بالأدب العربي وعلوم الحديث وقضايا الفكر والوعي الإسلامي.