الورع اجتناب الحرام، والورع اتقاء الشبهات، والورع الخوف من الله عز وجل، والخوف من الله عز وجل يعني اجتناب ما لا يرضاه الله عز وجل، والصبر هو أساس الدين.

ومما يهدم الدين قصره على دائرة ضيقة من العبادة وأجزاء محدودة من حياة الناس مما يسمى الأحوال الشخصية وانصراف الدعاة عن الناس وشؤونهم ومصالحهم وما يقيم أمرهم..

ولقد أصابت لوثة العلمانية كثيرا من المتدينين وخاصة الدعاة والأئمة منهم فأصبحوا يمارسون الدين في المساجد ويقتصرون في حديثهم على العلوم الشرعية بمفهومها الضيق وهو أن تتجنب الناس والشؤون العامة وخاصة السياسة.

فالورع عند هؤلاء هو اجتناب السياسة والورع التي يرونها لوفه من اللوثات وشأنا دنيويا خالصا، بل إنهم يرون أن هذا الأمر مما يتقيه التقي والداعية والعالم ويرون أن الخوض في السياسة من خوارم الدين ومما يتنافى مع الورع.

وهذا هو الورع الكاذب الذي يبعد الناس عن دين الله عز وجل، وهذا هو الورع الكاذب الذي يدل على الجهل العظيم.

ولقد غفل هؤلاء الناس أن رجال السياسة هم الذين يضعون البرامج التربوية وغفل هؤلاء الناس وما كان لهم أن يغفلوا وما يجوز لهم أن يغفلوا أن الساسة في عصرنا يتحكمون في كل شيء: في السياسة والثقافة والاقتصاد والإعلام والشؤون العامة والخاصة والأسرة والمرأة والطفل والمسجد وكل شيء.

هل تورع لوط عليه السلام عن مخالطة قومه ودعوتهم الى الله عز وجل ودعوتهم إلى الكف عن الفاحشة؟

هل غادرهم واجتنبهم أم أنه صبر عليهم حتى أتاه أمر الله عز وجل وحق على قومه العذاب؟

وكذلك فعل كل الأنبياء، وكذلك يفعل كل الدعاة إلى الله عز وجل.

إن الطهارة التي يحبها الله عز وجل هي أن ننظف المكان. هي أن ننظف سلوك الناس وقلوبهم وقوانينهم وشرائعهم وكل ما يتعلق بالحياة فنجعله وفق منهاج الله عز وجل.

أما النظافة التي تقتضي أن يلبس الإمام أو الداعية قميصا أبيض نظيفا ثم يجتنب الناس فيما يخوضون فيه ويتركهم وشانهم فهذه ليست من الدين في شيء بل تسمى علمانية وتخليا عن واجب الدعوة إلى الله عز وجل بمفهومها الواسع الصحيح.

ولسنا نطلب من هؤلاء أن يكونوا سياسيين ولا أن يختصوا في شؤون السياسة، ولكن نطلب منهم أن يكونوا ناصحين مبلغين لدين الله عز وجل، ونطلب منهم أن يقولوا للناس إن الخوض في السياسة واجب ديني إذ السياسة تعني التخطيط للتربية والتعليم والاقتصاد والإعلام والعلاقات الدولية وكل هذا من مأمورات الله عز وجل ومن مشمولات دينه الذي يسع كل شؤون الحياة، ونطلب من هؤلاء الأئمة أن يكفوا عن ذلك السلوك شبه العلماني الذي يجعل المتدينين يتقززون من الخوض في الشأن السياسي، ونطلب منهم أخيرًا أن لا يكونوا أداة للباطل لأن سكوت المسلمين عن بعض الحقائق يخدم الباطل ويغضب الله عز وجل وهذا ما لا يرضاه مسلم لنفسه.

ويكفينا الدرس السعودي حيث سكت العلماء وأسكتوا الناس حتى قوي الباطل ثم أصبح اليوم كفرا بواحًا.

والله المستعان.

د. علي حليتيم

من د. علي حليتيم

كاتب جزائري، ومدير مركز الشهاب للدراسات والبحوث