عمر بن محمود

لا يستقيم البيت إلا بصلاح أهله، وقيام الوالدين على العبادة والذكر والدعاء، فسمات الصلاح سمات يحبها الخلق جميعاً،

ولقد رأيت هذا حتى في الكفار، فإنهم يهابون المتدين والذاكر والمصلي والداعي، ويرونه يستحق الاحترام،

ومن علم من زوجته محبة الصلاح وسعيها لتحقيقه أحبها واحترمها، وكذلك إذا رأت الزوجة في زوجها العبادة ومحبة الذكر،

وقيامه على الفرائض بحرص، وكذا مواظبته على نوافل العبادات من صلاة الضحى وقيام الليل ودوام الذكر فإنها تعظمه في نفسها وتحترمه أشد الاحترام.

فهذه قاعدة مضطردة فإن وجد خرم لها في آحاد من الناس لم تبطل، لكن الناس يرونها سنة جارية في حياتهم.

وكذا الأولاد، فيجب على المرء أن يراعي حاله معهم أشد من مراعاته الغريب والأجنبي،

فبعض الجهلة يتزيا بكل زي جميل مع الناس خارج بيته، و

يحسن خلقه معهم حتى إذا دخل بيته أساء وأظهر غير ذلك، فهذا من أجهل الخلق،

وأفسد أعظم ما عنده من أهل وولد، إذ يجب أن يحسن إحساناً مضاعفاً في بيته ومع أهله، ويجب عليه التخلق بأحسن الصفات معهم.

مجسات الأولاد والزوج والزوجة

الأولاد لهم مجسات عظيمة وكذا الزوجة والزوج، يراقبون كل حركة، ويعلمون من والدهم ووالدتهم،

كما تعلم الزوجة من الزوج والزوج من الزوجة خباياهم في السر، ومن هنا تأتي قيمة عبادة السر في صلاح الأولاد.

كرمك يراقبونه ويرونه عند كل منعطف وسؤال، وكذا شجاعتك، وكذا حسن لفظك،

فهم أدرى الناس به، ويضعونك تحت المجهر في هذا، وتكون أنت كنافخ الكير أو حامل المسك.

يتحدث لي بعضهم أن زوجته تسيء له في ظنها، وربما مرت امرأة من أمامهم فاتهمته زوجته بالنظر إليها، وهو يتهم غيرتها الشديدة في ذلك،

وحينها يبدأ الخصومة أمام الأولاد، وتسيل الأخلاق السيئة من ألفاظ ومواقف،

وأنا أقول: لن يحصل هذا لو علمت المرأة من زوجها دينا عظيما في غض البصر ومداومة الذكر.

البيت ظل الرجل

وأنا أرى البيت كله ظلاً للرجل: الزوجة والأولاد، حتى نساء الأولاد إن سكنوا قريباً من الوالدين،

فالمسؤولية الأعظم في خصال البيت وأخلاق أهله ومزاجهم هي ظل خلق الأب والرجل،

إن كان رجلاً قبل كل شيء، ثم صالحاً وعابداً صادقاً كان البيت ظلاً له في سمته وحياته.

وأنا هنا أتكلم عن سمت البيت في داخله، ومزاجه العام فيما هو عليه،

وقد يخرج الابن إلى حياة خارج البيت فتأتيه خصال غير ما عليه البيت، فيفسد ويتغير،

لكن يبقى هو في البيت على خصال سيده وهو الأب.

كل عمل تأتي به الزوجة صلاحاً أو فساداً يأتي على البيت، وكل عمل يأتي به الزوج صلاحاً أو فساداً يأتي على البيت.

سر البيت بصلاح الوالدين.

من عمر بن محمود

من علماء فلسطين