د. ياسر عبد التواب

باختيار شفاف روعيت فيه مصلحة الأمة بحق استخلف سليمان بن عبد الملك عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه.. خامس الراشدين

جاء الرجل فوجد واقعا مختلفا عما كان في عهد الخلافة الراشدة وجد ظروفا مستقرة محرجة له بشكل ما فالعائلة التي ينتمي إليها والتي جيئ به من خلالها هي أكبر من يمارس الفساد وينتفع به

أسرة حاكمة جمعت السلطة والمال فما يعوقها عن المزيد منه وعن اضطهاد من يعترض عليهم أو قتله؟

واقع فاسد مسيطر مستقر

والناس رضيت به أو قبلته على علاته فالتبرير شائع..

السادة خلقوا من أجل السيادة وعلينا أن نرضخ لهم

ظروف متشابهة للغاية مع واقعنا

لكن هل يرق هذا لعمر بن عبد العزيز؟

إن الرجل من أول يوم جاء فيه ينتبه لما يريد هؤلاء أن يجروه إليه من الولوغ في الفساد أو التسليم بالأمر الواقع

ليس بالإمكان أبدع مما كان!

ولذا لما انصرف عمر بن عبد العزيز من دَفن سُليمان بن عبد الملك تَبعه الأمويون

 فلما دَخلوا إلى منزله قال له الحاجب‏:‏ الأمويون بالباب‏.‏

قال وما يريدون؟

قال‏:‏ ما عَوَّدتْهم الخلفاءُ قبلك‏.‏ أي من العطايا وإغداق الأموال على قرابته

قال ابنُه عبدُ الملك وهو إذ ذاك ابنُ أربعَ عشرة سنة‏:‏  ائذن لي في إبلاغهم عنك‏.‏

قال‏:‏ وما تُبلغهم

قال‏:‏ أقول‏:‏ أبي يُقرئكم السلام ويقول لكم‏:‏ إني  أخافُ إن عصيت ربي عذابَ يوم عَظيم‏.‏

فلم يعطهم من المال شيئا..لكنهم ظلوا ينتظرون لحظة يلين فيها أو يرضخ

وسار عمر بسيرته الحسنة ومن ذلك أنه أقر العدل وعمل به

كتب عبدُ الحميد بن عبد الرحمن عامله على المدينة إلى عمر‏:‏ إنّ رجلاً شَتمك فأردتُ أن أقتله‏.‏

فكتب إليه‏:‏ لو  قَتلته لأقدتك به فإنه لا يُقتل أحد بشتم أحد إلا رجل شَتم نبيًّا‏.‏

وكتب رجل من عُمَّال عمر إليه:‏ إنا أتينا بساحرة فألقيناها في الماء فطفت على الماء فما تَرى فيها

فكتب إليه‏:‏ لسنا من الماء في شيء إن قامت عليها بيّنة وإلا خَلَ سبيلها‏.‏..أي لا تعاقبها على شبهة حتى ولو فيها خوارق

ويعود عمر بن عبد العزيز لهاجسه من أن بني أمية أسرته – وآل مروان منهم –  تحتفظ بأموال استفادتها من غير طريق شرعي

فأراد أن يحفزهم على التخلص منها طواعية فجمعهم لذلك

وقال  لحاجبه: لا يدخلن علي اليوم إلا مرواني،

فلما اجتمعوا عنده حمد الله وأثنى عليه،

ثم قال: يا بني مروان، إنكم قد أعطيتم حظا وشرفا وأموالا، إني لأحسب شطر أموال هذه الأمة أو ثلثه في أيديكم

فسكتوا،

فقال عمر: ألا تجيبوني؟

 فقال رجل من القوم: والله لا يكون ذلك حتى يحال بين رءوسنا وأجسادنا، والله لا نكفر آباءنا، ولا نفقر أبناءنا،

فقال عمر: والله لولا أن تستعينوا علي بمن أطلب هذا الحق له لأصعرت خدودكم، قوموا عني.

وفي رواية: وقال عمر لبني مَروان‏:‏ أدُوا ما في أيديكم من حُقوق الناس ولا تُلْجِئوني إلى ما أكره فأحْمِلَكم على ما تكرهون‏.‏ فلم يُجبه أحد منهم‏.‏

فقال‏:‏ أجيبوني‏.‏

فقال رجل منهم‏:‏ والله لا نُخرج من أموالنا التي صارت إلينا من آبائنا فنُفقِرَ  أبناءنا ونُكَفِّرَ آباءنا حتى تُزايلَ رؤوسنا أجسادَنا‏.‏

فقال عمر‏:‏ أما واللهّ لولا أن تَستعينوا عليِّ  بمن أطلب هذا الحق له لأضرعتُ خُدودكم عاجلاً ولكنني أخاف الفتنة ولئن أبقاني الله  لأردّن إلى كل ذي حق حقه إن شاء الله‏.‏

نعم حالنا كحال عمر..

نطلب الحق للناس..

لكن الناس مخدوعين..إما بمعسول القول والوعود الزائفة أو يائسين مستسلمين لواقع اعتادوا عليه سلموا أنفسهم  لظالميهم ورضوا بأن يكونوا مع المستضعفين والخوالف

والأغرب أن يستعين بهم الظلمة لاستمرار الظلم وترسيخ الفساد

باستطاعتهم أن ينحازوا للحق ويعضدوا الأمل ويدعموا الثورة

لكنهم غارقون في ترديد الحماقات واجترار الشبهات

 لأنهم يخافون من بعض المصاعب: رغيف خبز تم إخفاؤه عمدا أو بنزين يتخلصون منه في الصحراء..أو بلطجية يطلقونهم ويحتمون بهم

وهاهم اليوم يدفعون أثمانا فادحة من التنازل عن ثرواتهك وأراضيهم وأمنهم المائي والغذائي

بل يدفعون من أمنهم الشخصي والعائلي فواتير تسييد تلك الطوائف عليهم ورضوخهم لظلمهم حتى ضاقت بهم المقابر والسجون ونائت بهم سفن الهروب والفرار

هل يعقل هذا أيتها الشعوب الطيبة

هل يعقل أن يستعين بكم القتلة ليزيدوكم قتلا

والظلمة ليزيدوكم ظلما

واللصوص ليستمروا في سرقتكم

بينما صبر ساعة وتمسك بمبادئ لفترة كان كفيلا بإزاحة الغمم وإشراق الظلم !

أفيقوا يرحمكم الله وساعدوا من يرد لكم الخير