فاتن عبد المنعم فاروق

أحمد الله، صاحب الفضل والمنة علي كل حسنة بي، فإن كان حب الكتابة والأدب وإرهاصاته بدأت في فترة مبكرة جدا من حياتي،

وبتوجيه إلهي محض بعد أن كان القرآن معي قراءة يومية بالتتابع وحفظ اليسير،

ومتابعة التفسير السماعي مع قراءات متفرقة لكتب دينية،

تطور الأمر إلى كتب في الفقه والحديث، ثم قراءة تفسير القرآن المجلد الكبير لابن كثير وأنا في الخامسة والعشرين من عمري،

لتكون هذه محطة فاصلة في مجمل حياتي وفي الأدب على وجه الخصوص، مفردة ومعنى وصياغة وروح واستلهام وتناص،

وما من كاتب إلا ويسعى للتفرد، ولا تفرد أروع من اغتراف من لا ينضب معينه، ريه دائم، مأدبة الله التي لا يملها كل لبيب أريب.

حدثنا حسين بن علي عن حمزة الزيات عن أبي المختار الطائي عن ابن أخي الحارث الأعور عن الحارث عن علي قال:

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

«كتاب الله فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وحكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل،

هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق عن كثرة رد، ولا تنقضي عجائبه،

هـو الذي من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله،

هو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم،

وهـو الصراط المستقيم، هو الذي من عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم، خذها إليك يا أعور.»

فكيف لصاحب القلم ألا يكون أسرع من غيره في ملازمته ملازمة الهواء الذي يتنفسه.

والله جل وعلا أقسم بالقلم الذي بأيدينا وما نسطره، والاشتغال بالكلمة صياغة وفكرة ومعنى لابد أن تكون إعلاء لكلمة الله،

وهذا المعنى نترجمه نحن المشتغلون بالكلمة الدعوة إلى الخير والحق والجمال،

فإذا كان الكاتب ملازما للقرآن، أصل كل خير وفلاح،

فإن التعبير عن هذه المعاني من خلاله سيكون تلقائي عفوي لا افتعال فيه ولا غموض ولا غضاضة،

بل والكاتب سيصبح معتق الحروف مجودا للكلمة وللمعنى،

داعيا للمدينة الفاضلة الحقيقية وليست مدينة أفلاطون التي خلت من كل فضيلة بل مدينة الظلم والظلمات بامتياز،

وهذا أيضا من الضلال المبين الذي ورثناه دون تفكر حتى قرأت عنها أيقنت بالفعل أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

وفي ظل التغريب الممنهج الذي بدأه المستشرقون وأكمله تلاميذهم بيننا،

فإن هذا يتوجب علينا دفع التغريب من خلال الكتابة كما بدأوه بالكتابة ومازالوا،

ولا أقوى من القرآن لدفعه، وهنا يصبح التمترس بالقرآن واجب شرعي لأننا نصد به التغريب الذي بغيته الزيغ والانحراف العقدي بالأساس،

خاصة مع تصريح جملة من الشعراء الشوام النصارى عام 1921 بمؤامرتهم على الأدب العربي والذين قالوا صراحة:

«ما كان لنا أن نترك الأدب العربي والذي هو الوجه الآخر للإسلام»

فنشروا باسم الحداثة المفردات اليهودية والنصرانية في الأدب العربي (كالمزامير، والصلب والصليب وأكليل الشوك والمزود……..ألخ)

وسبق أن كتبت سلسلة مقالات أسهبت في هذا الشأن،

فضلا عن معجم المنجد الذي نشرت فيه ذات المفردات لتكون بديلا عن المفردة الإسلامية،

ونجح طوفان التغريب بين الذين استجابوا صاغرين مذعنين دون خجل لأنهم صغار إمعات لا قيمة لهم ولا وزن حقيقي يعتد به

مهما علوا واعتلوا وهم في قرارة أنفسهم يعلمون أنهم دون ذلك بمئات السنين الضوئية.

فاتن فاروق عبد المنعم

من فاتن فاروق عبد المنعم

كاتبة روائية وعضو اتحاد كتاب مصر