[starbox]

يقول تعالى: (إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا).

هذه آية جليلة من آيات الوقت كأنما تتنزل الآن لتخط مسارات لأجيال من الشبيبة المعذبة المطاردة المغتربة في أوطانها.

هي آية الوقت بموجب الإقصاء الواقع على الفتية الذين استجمعوا القوة البدنية وحصلوا ما جعلهم متميزين عن الجماهير الغفيرة الخانعة الذليلة.

وهي إية الوقت بموجب الاستهانة الراهنة بما حازه شباب الأمة اليوم من مهارات وملكات وبموجب ما يواجهون من إهمال الكبار من الأجيال السابقة وبموجب الازدراء لإمكاناتهم وبموجب تهميش الحكومات لهم لصالح جماعات المنافع الداعمة للأنظمة.

الآية تفتح الباب أمام ضرورة العناية بمؤسسات رعاية الشباب. وربما ألمحت إلى معاودة التفكير في ضم وزارة الشباب إلى وزارة الثقافة أو إلى المؤسسة الدينية الصالحة القائمة لله بحقه ودعوته.

الآية تتكلم عن جيل أدرك فساد المرحلة وأدرك خنوع الأجيال التي سبقته وارتبطت مصالحها بمؤسسات الفساد والطغيان فلجأ إلى ما يصونه من هذا الفساد وهذا الطغيان وفر إلى المرجعية المؤسسة لهويته والعاصمة له من الهلكة.

الكهف في الآية مؤسسة حماية وصيانة وحفظ ورعاية للذات التي أدركت كينونتها.

والكهف مؤسسة بناء للهوية ومواجهة لتمدد التغريب والانحراف والاقتلاع والمسخ وتشويه الذات.

وهذا اللجوء فعل على بساطته عبقري في متناول اليد لكل مضطهد مطارد مغبون في دينه وهويته وثقافته وأخلاقه.

وهذا اللجوء الذي يسير إليه الفعل العبقري (أوى) بكل حمولته الدلالية التي تتحرك بطلب الاستقرار والسكن والسكينة والاحتواء ممكن لكل أحد .

واللجوء لمادة ما به حفظ الذات والكينونة لازم في زمان طوفان الطغيان.

الاعتصام بمحددات الهوية وصيانتها هو المقاومة الواجبة في مراحل التمدد الاستبدادي الظالم.

ولعل ذلك يفسر لنا بعض الرأي المعاصر الذي يرى في التيارات المحافظة في أزمنة التدويخ الباطل نوعا من تجديد الدين.

نعم الاستمساك بمحددات الهوية في زمان المسخ نوع من تجديد الدين!

الآية تعالن بأن الأمة مطالبة بتعليم أجيال الشبيبة فيها ما يحقق التراحم بينهم.

وتعالن بأن الأمة مطالبة أن توفر لأجيال شبيبتها مع يعينهم على تحصيل ما به تحقيق الرشد.

لقد لجأ الفتية إلى ما رأوا فيه سكن نفس وسكينة عقل وطلبوا من الرب أن يفيض عليهم من رحمته وأن يلهمهم سبل الرشد في مواجهة التيه والطغيان.

الآية تفرض على الحكومات المسلمة أن تبني مؤسسات رعاية الفتيان والشباب المتعاملة معهم على قواعد الرحمة والاحتواء منعا من مادة الشرود وان تقدر تمايزهم النفسي والعقلي والبدني موفور النشاط.

والآية توشك أن تأمر الحكومات بأن تؤسس معاهد ومؤسسات ترعى ثقافة الشباب وتأهيلهم وتمكينهم تمكينا حقيقيا بعد أن تبذل لهم ما به بلوغ الرشد والاستواء العقلي والوجداني.

الآية توشك أن تعالن أن الاستبداد هو المفس والصانع لانعزال شباب الأمة.

الآية توشك أن تصرح بأن الطغيان هو مصنع اغتيال الانتماء في نفوس الشبيبة المؤمنة فما بالنا بغير المؤمنين؟!

والآية توشك أن تقرر أن الاستبداد هو سبب التراجع التنموي لأن يحرم الأمة من عطاء شبيبتها ساعة يهربون من وجهه.

والآية توشك أن تعالن بأن خراب الأوطان مرجعه للاستبداد الذي يفرغها من قوتها الضاربة بدنيا وعقليا ووفورة نشاط.

هذه الآية منهج للأمة المسلمة في رعاية منطقة الخصب في شعوبها وهم الفتية الشباب.

إن كل تفنن في التشريعات الحامية للشباب حسن فهم عن الله ووعي بمطالب الوحي الجليل.

وإن كل توسع في بناء مؤسسات رعاية الشباب بدنيا ونفسيا وعقليا هو حسن فهم لنصوص الكتاب العزيز

وحسن فهم لروح الإسلام العظيم.

وكل تراجع في مقدرات حماية الشباب من الوجوه جميعا هو خيانة للأوطان وسعي في خرابها وحرمان لها من اللحوق بقطار الحضارة وتنكر الوحي الكريم بامتياز.