كارم عبد الغفار

♦ لو تخيلنا أن هناك ألف «كشك» على أحد الأرصفة تخصصت في بيع «البن الحلال والكيف المحرم»،

ثم جاء أحد الموهوبين في التجارة وفتح كشكًا وزاحم وعلا صيته بين الزبائن بأجود أنواع البن وأجود أنواع الكيميا – لا مؤاخذة.

♦ ثم أراد الرجل أن يعلن توبته فماذا يفعل؟ هل يترك الكشك ويُسرح العمال ليأتي آخر مكانه فيبيع البن والمخدرات؟

أم يبقى الرجل في كشكه ويكتفي ببيع البن ويجوده ويغري به أصحاب الكيف ويخترع كيوفًا جديدة؟!

الفتنة ليس في وسط العري والسكارى فقط

♦أخونا «أدهم النابلسي» مثلنا ومثل ملايين المتورطين في المعاصي ومثل عشرات الممثلين والممثلات والمتمشيخين والمتمشيخات يظن أن الفتنة فقط تكون وسط العراة والسكارى،

وكأن الأسواق والمكاتب والمصالح الحكومية وتجمعات الشيوخ خالية من الفتن، فاختار الشاب بحماس أن يغلق الكشك ويريح دماغه.

♦ أدهم مطرب أردني شهير، يتابع أغانيه العاطفية ما يقرب من ربع مليار على منصات التواصل،

أعلن الشاب الطيب اعتزاله الغناء بشكل مفاجئ وقال: «رغبة في إرضاء رب العالمين»، تقبل الله نيته وهداه سواء السبيل.

♦ لكن لم يكن الأخ أدهم في حاجة لذلك الإعلان بتاتًا البتة، وكانت توبته، وتوبة أشباهه،

ستكون أنفع لو كانت توبة هادئة صامتة بينه وبين ربه يمتنع فيها عن محرمات مهنته،

ثم يميل بهدوء إلى صناعة محتوى بصوته الجميل يليق بقيم دين رب العالمين وإنسانية دين رب العالمين في وقت تنتكس فيه الفطر ويطارد الشواذ أناسًا يتطهرون.

♦ لكن بقراره هذا جيّش ضده الملاعين، وزنق نفسه في خندق التمشيخ والدروشة،

وسيذهب كما ذهب فضل شاكر والفنانون المعتزلون في خن بعيد عن الكون يمارسون فيها عباداتهم ويظنون أنهم بهذا قد نجوا من الفتن،

في حين يقف لهم الملاعين على أبواب المساجد، و«إليسا» تقترب من حدود مكة، والسيد «ويجز» يصل قريبًا الرياض.

♦ لا تجد أغيظ من مسلم آتاه الله موهبة لينفع بها الناس ثم استخدمها في الحرام،

لكن الأشد منه إغاظة من دخل سوق الحرام بالفعل وفرز بضاعته وصنع لنفسه عالمًا وكيانًا ثم شرح الله صدره للهداية،

لكنه بدلًا من أن يضبط النشاط ويعدل وجهته من موقعه فتكون توبته فتحًا، يمسك الرجل مسبحته في فورة نفسية ضد ماضيه،

ويعلن الابتعاد ظنًّا منه أن زوايا العباد بعيدة عن دعاة الفتن.

حمزة نمرة

♦ يتابع حمزة نمرة أعداد لا تقل عمن يتابعون النابلسي، وينافس نمرة بقوة عمرو دياب وويجز ويصنع لنفسه منذ سنوات حضورًا محترمًا وسط زوابع الرقص والهجص والعري،

واستطاع نمرة أن يوفر مادة غنائية لمن يريد أن يسمع أشياء نظيفة بين الحين والآخر، دون أن يتمشيخ ودون أن يعلن نفسه ثائرًا.

♦ خوف الفتنة صار شعارًا مهترئًا زائفًا لمن أراد الانسحاب الهادئ، رغم أن كل مكان في عالمنا المنكود صار فتنة يا أدهم،

ولا يصبر إلا الصابرون، الفتنة يقظة وعيناها «منفجلة» تطل بقرونها في كل شبر على تراب أوطانك بدءًا من استوديوهات الغناء مرورًا بمقاعد الساسة وغرف الصحافة ومنابر المتمشيخين،

بل وصلت الآن إلى مكاتب إرشاد كبرى الجماعات الإسلامية وأنقاهم صفًّا.. فإلى أين ستهرب يا مسكين!

♦ لدينا عشرات الفنانين المعتزلين بين ممثلين ومطربين، أين هم الآن؟

إنهم يلقّوننا مواعظ مكررة، ويذكروننا بمواسم البركات والنفحات، وكأننا نعاني نقصًا في عدد المشايخ.

♦ سأل أحدهم الإمام ابن تيمية عن رجل تم تعيينه جابيًّا ويضطره الوالي أن يجبي الجباية مضاعفة ثم يقتسمان الزيادة،

لكن الجابي رجل صالح متردد بين الاستقالة وبين البقاء، فهو يعلم أنه لو اعتزل مكانه سيأتي من يقصم ظهور الناس..

فأفتى ابن تيمية بجواز بقائه وقال في مجموع الفتاوى:

«وقد يكون ذلك واجبًا عليه إذا لم يقم به غيره قادرًا عليه، فنشر العدل بحسب الإمكان،

ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه».

كارم عبد الغفار

من كارم عبد الغفار

عضو اتحاد الكتاب المصري، باحث في التاريخ