كارم عبد الغفار

بحكم أني «متروهينجي» أصيل على خط (حلوان – المرج)، فأنا أعرف بائع الولاعات وصاحبه، وأعرف حيلتهما الذكية في الدعاية وجر قدم الزبون، وهي حيلة تعجبني وأقدرها إلى حد كبير.

الخطوة الأولى:

يدخل بائع الولاعات وفي ذيله صاحبه، الذي لا يعرف الركاب أنه صاحبه.

الخطوة الثانية:

ينحني بائع الولاعات ليجهز بضاعته ويجهز حنجرته لبداية الإعلان، وفي الوقت نفسه يبتعد صاحبه خطوات في منتصف العربة.

الخطوة الثالثة:

يصيح البائع (ولاعات كليفر الاتنين بخمسة) بعد نداءين أو ثلاثة يشير صاحبه، الذي لا يعرف الركاب أنه صاحبه: (هات اتنين لو سمحت)،

وبعد (هات اتنين) يبدأ الجمهور المتصلب في الالتفات للبضاعة التي راقت لأحد الركاب، وفي الغالب ينفتح الباب للبيع وتتوالى الطلبات بسبب هذا الاستفتاح.

حيلة الاستفتاح الذي وعاها بائع الولاعات هي أساسية في الدعاية للبضائع وتسييل ريق الزبون وتجرئته،

وكذلك هي بدهية في تنشيط حالة الكسل لدى الجمهور ولفحفحة التراب عن الخمول وللدعاية للأخلاق وضبط بوصلة النفوس.

كنت قديمًا أدخل المترو من أول الخط فأنزوي في ركن معي الكتاب أو الكندل،

ولا أجلس على كرسي رغم وجود مقاعد فارغة، حتى لا أنشغل بمتابعة الداخلين والنهوض للأكبر سنًّا،

لكن مع الوقت ومع موجة التنبلة المتسللة بقوة في أوساطنا؛

حيث تجد العجائز وأصحاب الحاجة يتسولون بنظراتهم مقعدًا من الشباب الجالسين،

فيزوغ الشباب في شاشات الهواتف أو يدعون النعاس، ثم رأيت أن حالة التنبلة هذه تنفك بمجرد أن يبادر أحد الشباب بالنهوض،

فصرت أدخل المترو وأجلس في انتظار أول عجوز.

ومع الانكفاء اللاإرادي على شاشات الهواتف في المترو، نصحني صاحبي أن أحمل نسخة ورقية من القرآن بدلًا من نسخ الموبايل،

حتّى يظل المصحف واضح الظهور ويظل مطروحًا كخيار أساسي في فراغات المواصلات.

ونصحني صاحبي ألا أعطي أي متسول في المترو أو غيره حتى لا يكون فعلي استفتاحًا للخيبة فيقلدني غيري،

وحتى لا يرى البائع العرقان أن طريق التسول أقصر من التجارة الحلال وأوجاع الحنجرة.

ولدي قناعة أن من الأعمال الطيبة أن يتعمد المحجبات العاملات ركوب المتروهات في عربات السيدات،

بدلًا من السيارات الخاصة والتاكسي، وذلك بنية الدعاية للحشمة في زمن تطاردنا فيه المحزقات والممزقات.

كارم عبد الغفار

من كارم عبد الغفار

عضو اتحاد الكتاب المصري، باحث في التاريخ