د. أحمد عبداللطيف

 

 

( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ..) (185 – البقرة)

هل يريد الله للأمة التيسير ودفع الحرج والمشقة بسبب الصيام أم بالقرآن وما تضمنه من أحكام وتشريعات، أم بكون القرآن فرقانًا فرق لنا بين مراضي الله ومساخطه فأوضح لنا المحجة وأقام الحجة، أم يريد بنا اليسر بهذه الرخصة في الإفطار للمريض والمسافر والشيخ الزمن، أم بعظمة التدرج في التشريع، أم بأنه فرض في أيام معدودات هي شهر واحد من السنة، ونهارًا فقط لا ليلًا، ولا وصال الليل بالنهار صومًا؟

 

 

 

الجواب: أن الله يريد بنا اليسر ولا يريد بنا العسر في كل ذلك، بل وفي كل تشريع شرعه وفي كل حكم أنزله وفي كل أمر وكل نهي أصدره (يُرِيدُ الله أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً) (النساء: 28) فيا أيها الداعي إلى الله ابتغاء وجه الله، ذلكم الله يريد بكم وبمن تدعونهم اليسر والرفق واللين والرحمة، فلم تذهبون لغير مراده من العسر وفرض الحرج والمشقة والغلظة ؛ فتنفرون الناس أيها الدعاة  (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (المائدة: 6) (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(22 – الحج) فجعل الله الأصل في التكاليف التخفيف، وما كان منها تعتريه مشقة رَخَّصَ فيها بتأجيلها ليُقْضَى بعد زوال المشقة كالمرض والسفر للصائم، أو رَخَّصَ فيها بتخفيفها كقصر الصلاة وجمعها للمسافر، أو رخص بإسقاطها كالحج لغير المستطيع، والزكاة عن الفقير، والصيام على الشيخ الكبير الزمن والمريض الذي لا يرجى برؤه، ويطعم عن كل يوم مسكينًا، فإن لم يجد سقطت عنه الفدية كذلك.

 

 

إن الله يريد أن ييسر للسائرين إليه طريقهم ووسائل وصولهم دونما عنت أو تضييق عليهم، فأقصى كل عسر وعقبة في الطريق إليه .

 

إن القرآن وهو يشرع العقائد والعبادات والمعاملات لا يغفل جانب الدعوة وآدابها توجيهًا لأمة البلاغ وخاتمة الأمم، إنه يعطي الدعاة إليه منهجًا في التيسير ونبذ كل ما من شأنه أن يعوق المدعوين أو ينفرهم من التشديد والقفز فوق النصوص تكاسلًا، أو استعجالًا لثمرة دعوته؛ فيشت بعيدًا عن قدرات النفس البشرية، بعدم مراعات قدراتها المتفاوتة ولا حاجاتها النفسية والفطرية، فيؤصل للرفق كما أصل للتدرج بالمدعوين؛ ليتناولوا الدواء على فترات زمنية وفي مواعيد محددة حتى يؤتي غايته من الشفاء، وما سمي العلاج علاجًا إلا لأنه فيه معن التدرج مع التعقل مع مراعاة أدواء أخر فقد يحدث الدواء مضاعفات جابية أوتفاقم لأمراض أخرى لدى المريض قد تهلكه،

 

 

إن استخدام وسائل العلاج تتفاوت وتختلف من مرض إلى مرض ومن مريض لآخر، إن تهيئة بيئة وغرف العلاج من أنجع وأنجح ما يساعد على تأمين المريض؛ حتى نضمن سلامته وسرعة شفائه فَيَنْقَه وينشط؛ إن الداعية طبيب أرواح ومعالج قلوب، فهو أدق اختصاصًا، وأولى بالاهتمام والتدريب على وسائل الدعوة وأجدر وأحرى بتعلم فقهها .

—————————–

د. أحمد عبد اللطيف المطروحي