إن حياد الدولة تجاه مواطنيها مسألة إسلامية لا علمانية ولا ليبرالية ولا ماركسية، قد خلق الله الإنسان محكوما بسنتين:

الأولى سنة الحرية والثانية سنة الإجتماع، فالإنسان كائن إجتماعي حر، يعيش في مجتمع،

وتعني الحرية قدرة الإرادة الإنسانية على الإختيار: بين الكفر والإيمان، بين الحق والباطل، بين العدل و الظلم، بين الشورى والإستبداد، بين المساواة بين الناس أو التمييز بينهم،

وعندما تتقابل سنة الحرية و سنة الإجتماع داخل الجماعة الوطنية فإن النتيجة المترتبة على ئلك أنه لا توجد جماعة وطنية خالية من التنوع، وبالذات التنوع الديني.

إذا فالتنوع سنة مترتبة على سنتي الحرية والإجتماع البشري، وقد رعى الله سبحانه وتعالى وحافظ على سنة الحرية في قضية الإيمان به،

يقول الله سبحانه و تعالى: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير}

الآية رقم 2 من سورة التغابن،

ويقُول الحق: {ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعًا..}

الآية 99 من سورة يونس،

ويَقول: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي..}

الآية 256 من سورة البقرة،

ويقُول: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.}

الآية 29 من سوة الكهف.

وقد شرع الله سبحانه وتعالى للتعايش في ظلال هذا التنوع فقال:

{أحل لكم الطيببات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين.}

الآية 5 من سورة المائدة،

وتعد هذه الآية الكريمة التي ذكرت إستثناء و تخصيص من التعميم الوارد في الآية 221 من سورة البقرة التي تنص على:

{ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولا أمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم..}

ويقول الحق تبارك وتعالى:

{لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين و لم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم و ظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فاولئك هم الظالمون}

الآيتين 8و9 من سورة الممتحنة.

إلتزامًا من الرسول بهذه التشريعات القرآنية، أذكر مثلين تطبيقيين للرسول :

المثل الأول هو:

دستور دولة المدينة، فقد أدخل غير المسلمين طرفًا في تحديد مضمون وصياغة دستور الدولة الوليدة، ماذا يعني هذ؟

يعني ثلاثة أمور:

الأول:

أن الدولة الإسلامية الوليدة هي أول دولة في التاريخ قام دستورها على إقرار وإحترام التنوع في المعتقد الديني، ومن ثم على حرية التفكير والتعبير والرأي.

والثاني:

مشاركة كل الناس في الدولة الوليدة بصرف النظر عن معتقداتهم في إختيار رئيس الدولة

والثالث:

موافقة هؤلاء الناس كلهم جميعًا على أن يكون رئيس الدولة و قائدها مسلمًا،

لم تأتي هذة الموافقة بناءًا على قوة المسلمين داخل الدولة و قوة الدولة ذاتها،

ولكن تحققت هذه الموافقة لأن غير المسلمين لم يسمعوا عن هذه المبادئ التحررية في أي ملة أخرى قديمة أو معاصرة لهم،

وجدوها فقط في الإسلام، دينًا و معاملة، فأرتضوها شريعة لهم تنظم الحياة في الدولة الصاعدة.

أما المثل الثاني من حياة رسول الله فهو: فتح مكة، فلما فتح الله على رسوله والمؤمنين بدخول مكة بدون قتال خاطب رسول الله أهلها قائلًا:

«ماذا تظنون أني فاعل بكم؟»،

قالوا: «أخ كريم و إبن أخ كريم»

فقال : «أذهبوا فأنتم الطلقاء»،

والمعنى: أذهبوا فأنتم أحرار.

هذا هو الإسلام الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله نورًا وهدىً،

يهدي الناس إلى الصراط المستقيم، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد،

إن العلاقة بين قوة المسلمين وقوة إرتباطهم بدينهم علاقة طردية،

فكلما قويت وتدعمت علاقتهم بالإسلام إشتدت قوتهم وعلت همتهم وغطت شريعة الإسلام معظم العالم،

والعكس كلما وهنت وضعفت علاقتهم به وهنت وضعفت قوتهم، لماذا؟

لأن اللبنة الأولى في الإسلام هي الحرية.

والحرية هي قاعدة الإنطلاق للتقدم، ما يعني أن الإبتعاد عن الإسلام إبتعاد عن الحرية،

ويحل الطغيان والإستبداد محل الشورى، ويبدأ المجتمع الدخول في دائرة التخلف وهو ما حدث بالفعل منذ أواخر القرن الثامن عشر،

وخضعت الأمة للسيطرة الإستعمارية والصهيونية وحلت العلمانية محل الإسلام،

وما نعيشه الآن من تخلف وأمراض طائفية هو من نتاج العلمانية والإستعمار والصهيونية.

من محمد السخاوي

باحث سياسي