على مدار السنوات الخمس الماضية التي أدرس فيها الدكتوراه في تركيا، رأيتُ فيها حكم الطيب أردوغان عن قرب، رجلا يعمل هو وحزبه لمصالح الشعب التركي بصدق وتفانٍ، بنية تحتية متطورة ولو كانت في أقصى المدن والقرى، وانترنت لا يُقارن بالعديد من الدول العربية، ومستشفيات فندقية مجانية للشعب، وتطور لافت في الصناعات العسكرية حتى باتت تركيا تملك القدرة على إنتاج 80% من سلاحها، وطائراتها بدون طيار من نوع بيراقدار التي أصبحت مثلا في العالم كله، وأيام كورونا تمكن باحثو جامعتي من إنتاج لقاح تركوفاك.

فضلا عن الطرق الرئيسية والفرعية الممتازة، والأنفاق، والكباري، والقطارات السريعة، وشبكة المطارات الداخلية والخارجية كلها بأياد تركية خالصة، والنظافة، واحترام العمل، يمكنني أن أخبرك بالنقلة الضخمة التي قام بها هذا الرجل أردوغان في بلده ولا يزال، حتى كان لهذه القوة الداخلية صدى خارجيا ظهر في الملف الليبي والأذربيجاني وفي شرق البحر المتوسط وسوريا والعراق وفي أفريقيا، بل وفي الأزمة الروسية الأوكرانية، أصبحت تركيا في كل هذا دولة مشار إليها بالبنان.

ولا شك أن هذا النجاح الكبير، صاحبه أيضا تحديات اقتصادية كبيرة، وعداء من الغرب والمعارضة التي نجح خطابها العنصري في تأجيج مشاعر العنصرية بين قطاعات من الأتراك والسوريين، وهي المعارضة التي تسعى اليوم لإغلاق المشاريع الصناعية، وتقسيم التورتة بينهم، وطرد السوريين واللاجئين والمظلومين، وإعادة تركيا إلى المعسكر الغربي تابعة ذليلة كما كانت قبل مجيء أردوغان إن نجحوا في الانتخابات.

 لذا الانتخابات القادمة مفصلية بكل ما للكلمة من معنى، وفي كل هذا، سترى أن القيادة موهبة، تمكنت هذه القيادة من وضع الجيش في موضعه الصحيح ليس فوق الأمة وليس أقل منها، يحترم قيادته العليا المدنية، والحقيقة الواضحة في تجربة أردوغان أن حماية القيادة الكاريزمية من الانقلابات العسكرية، والقتل والتآمر أمر ضروري لأي أمة تريد النهضة والانطلاق، ونموذج تركيا – بكل ما فيه من نواقص – حجة على المسلمين في الشرق والغرب في أن يحكموا أنفسهم برشاد ونجاح، ويتركوا الذل والضعف والتبعية.

من محمد شعبان أيوب

باحث في التاريخ والتراث