مصطفى البدري

اثنان لا أستطيع السكوت عنهما، الأول: جاهل متعالم كلما سردت وذكرت أقوال العلماء في مسألة.. قال لك: أين الدليل؟ والثاني: محسوب على العلم يلتمس الأعذار لحكام وقعوا في كفر أشبه بكفر فرعون أو تخطاه.. التفاصيل في السطور التالية:

الأول:

جاهل متعالم كلما سردت وذكرت أقوال العلماء في مسألة.. قال لك: أين الدليل؟ رغم إقراره بجهله وعدم علمه بمراتب الأدلة ولا مناطاتها ولا أصول وقواعد الاستدلال!!

حتى رأيتُ أحدَهم يجادل طالب علم في مسألة ويطلب منه الدليل، فلما ذكر له دليل العلماء؛ قال (الجاهل الجهول المجهال) هذا دليل ظني، والدليل لابد أن يكون قطعي الثبوت والدلالة!!

يعني جاهل ومتفلسف!!

قلت: كل هؤلاء يقرون ويعتقدون (وأحيانًا يفتون) بحرمة الأكل والشرب والضحك في الصلاة، وأن تعمد شيء منها يبطل الصلاة؛ وأتحداهم أن يقدر أحدهم على الإتيان بدليل (مباشر بالطريقة التي يتفلسفون بطلبها) دون النظر في تعليلات العلماء للأمر.

نعم.. لابد من تعظيم الدليل من الكتاب والسنة؛ لكن ينبغي أن يدور هذا التعظيم داخل دائرة القواعد والأصول المتفق عليها، حتى لا يصبح الاستدلال نهبًا لكل متقوّل على الله بغير علم.

فالتقليد ليس مشكلة أصلًا لعامة المسلمين؛ لكن التقوّل على الله جريمة عظمى -بل- من أكبر الكبائر.

قال تعالى:

{قلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّىَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقِّ

وَأَن تشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ ينَزِّلْ بِهِ سلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}

قال العلماء: في هذه الآية بيان لأعظم الجنايات… خامسها وأعظمها: الجنايات على الدين؛ وهو من وجهين: الطعن في التوحيد والقول في الدين بغير علم.

الثاني:

محسوب على العلم يلتمس الأعذار لحكام وقعوا في كفر أشبه كفر فرعون أو تخطاه؛

ثم هو يكفر أعيان (علماء) الأشاعرة وأهل التأويل بما ليس بمكفر أصلًا، فضلًا عن أن يكون مما يُعذر فيه صاحبه!!

وهؤلاء أصابهم الحوَل في أبصارهم (وأرجو ألّا يكون في قلوبهم)

حيث يعذرون من يتبجحون بحربهم على الإسلام وشرائعه وأنصاره؛

ثم لا يعذرون من أجمعت الدنيا على علمهم وفضلهم وحبهم للإسلام وتضحيتهم في سبيل نصرته وإعلاء كلمته!!

وقد ذكر علماء المدرسة السلفية قديمًا وحديثًا فضائل كثيرين من علماء الأشاعرة ومدرسة التأويل،

وأثنوا عليهم وامتدحوا علمهم وورعهم وجهادهم بكلام واضح بيّن لا لبس فيه ولا يحتاج إلى تفسير،

فيأتي هؤلاء المنتكسون ويعمدون إلى أفراد كلام متشابه محتمل لبعض العلماء فيضعونه مكان المحكم الثابت المتواتر!!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى:

وإذا ترك الإمام أو أهل العلم والدين «الصلاة» على بعض المتظاهرين ببدعة أو فجور زجرًا عنها لم يكن ذلك محرِّمًا للصلاة عليه والاستغفار له…..

حتى قال: لكن المقصود هنا أنه لا يجعل أحد بمجرد ذنب يذنبه ولا ببدعة ابتدعها -ولو دعا الناس إليها- كافرًا في الباطن إلا إذا كان منافقًا.

فأما من كان في قلبه الإيمان بالرسول وما جاء به وقد غلط في بعض ما تأوله من البدع فهذا ليس بكافر أصلًا. اهـ (7 / 217)

والله من وراء القصد

مصطفى البدري

من مصطفى البدري

باحث وداعية إسلامي. عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية. مراجع لغوي بالرابطة العالمية للحقوق والحريات، والندوة للحقوق والحريات.