مصطفى البدري

أولًا أود أن أتقدم بخالص شكري وتقديري وامتناني لزوجاتي (بارك الله فيهن)؛ هؤلاء اللواتي تحملن معي الفقر والسجن والمطاردة ومفارقة الأهل والأحباب.

لكن هذا المقال متعلق ببعض نصائح حول التعدد، حيث تصلني أسئلة وتُعرَض عليَّ مشكلات تحمل معاني مشتركة تستحق التوجيه العام بصددها:

١- القدرة على الزواج عمومًا والتعدد خصوصًا ليست فقط مادية،

بل القدرة النفسية والمعنوية في ذلك أشد وأهم، لأن المرأة قد تستطيع التغلب على العوز المادي، إلا أنها تعجز عن التغلب على العوز النفسي والمعنوي.

يعني: الرجل المقبل على الزواج (وخاصة الثانية) لابد أن يكون قادرًا على احتواء زوجته وامتصاص الصدمة الأولى معها، والصدمات المتكررة الناشئة عن الغيرة.

وهذا المعنى ذكره كثير من العلماء في شرح حديث: «من استطاع منكم الباءة فليتزوج».

٢- لا أنصح بالبحث عن التعدد حال عدم الاستقرار مع الزوجة الأولى؛

فإما أن يستقر معها وإما أن يفارقها، ثم بعد ذلك يفكر في الزواج، أما البحث عن الثانية حال عدم الاستقرار.. فمؤدي (في الغالب) إلى اضطراب أكبر، قد لا يقدر الرجل على التعاطي السليم معه.

ولا أنصح امرأة أن تقبل برجل يقول لها: أنا متزوج وغير متزوج في نفس الوقت (أو ما في معناها)، كما لا تقبل بمن يدخل عليها بذم وانتقاص زوجته الأولى.

فعامة الرجال يتزوجون لحاجتهم الشخصية للزواج وليس بسبب نقص أو قصور في الزوجة الأولى (هذه هي الحقيقة التي لابد من المصارحة بها).

٣- الزوجة الثانية (أو ما بعدها) = زوجة بكل معنى الكلمة [بنتًا كانت أو ثيّبًا].

يعني لها كل الحقوق وعليها كل الواجبات الزوجية، ولا ينبغي الاتفاق على إسقاط شيء من هذه الحقوق أو الواجبات إلا في أضيق الحدود، ويكون ذلك بشكل مؤقت وليس على الدوام.

فالرجل الباحث عن التعدد لابد أن يتحمل مسؤوليته كاملة (وأهمها العدل)، والمرأة التي ترضى برجل متزوج لابد أن تتحمل هي الأخرى مسؤوليتها كاملة.

ولنستحضر جميعًا الحديث المشهور: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته».

٤- الزواج أمر (فطري بشري / شرعي تعبدي)

فلابد فيه أن يبحث كل طرف عمّن تسكن إليه روحه وتطمئن معه نفسه، وفي ذات الوقت يلتزم فيه الطرفان بحدود وأوامر الله جل وعلا.

والبيت المؤسس على تقوى الله ورضوانه أحرى بالاستقرار وتحقيق السعادة المرجوة من الزواج.

وفي النهاية.. عندي همسة في أُذُنِ المعترضين:

التعدد ليس فكرة اخترعها أحد من رأسه كي نقبلها أو نرفضها.

ولا هو نظرية علمية قابلة للصواب والخطأ.

التعدد حالة اجتماعية ثابتة تاريخيًّا، متناسقة مع الفطرة البشرية، جاء الشرع بتحديد سقفها؛

فبعدما كانت بلا عدد أصبحت في ظل الإسلام محددة بأربعة فقط.

ومن ثم.. فلا -ولن- يستطيع أحد فرضه على أحد ولا منعه عن أحد.

حتى من يرفض تطبيقه على نفسه.. مقيد في النهاية بحالته النفسية والمزاجية + حاجته الشخصية.

يعني لا يستطيع أن يجزم بديمومة هذه الحالة.

لذلك.. ينبغي أن نتلطف بعض الشيء ونحن نتكلم عنه.

فلا هو إلزام شرعي ولا هو منكر إنساني.

————————

مع ملحوظة هامة: هذا المقال ليس فيه حث ولا تشجيع على التعدد، كما ليس فيه عكس ذلك.

مصطفى البدري

من مصطفى البدري

باحث وداعية إسلامي. عضو المكتب السياسي للجبهة السلفية. مراجع لغوي بالرابطة العالمية للحقوق والحريات، والندوة للحقوق والحريات.