إيران أو بلاد فارس منذ أن دخلها المسلمون فاتحين، وهي تشكل مجالًا حيويًا بالعالم الإسلامي وقطرًا حضاريًا وجغرافيًا يربط أوصال الأمة، وقد قامت فيها دول إسلامية محلية كالطاهريين والسامانيين والصفاريين، وصحيح أنها خضعت فترة للحكم البويهي الشيعي إلا أن النسيج الاجتماعي قد حافظ على إسلامه السني، وقد مر على إيران السلاجقة والخوارزميين قبل أن يجتاحها المغول ويقيموا دولهم فيها، كما أن فارس قد احتوت على مراكز حضارية إسلامية كالري وطوس ونيسابور، فقد كانت هذه المدن من أفضل حواضر الشرق الإسلامي ازدهارا، بعلماء سنة بارزين وأئمة كبار مثل الإمام مسلم وابن ماجة والحاكم النيسابوري وأبي داود وغيرهم من أصحاب كتب السنة والحديث، وهؤلاء كلهم من العرق الفارسي ومن عقيدة أهل السنة والجماعة.

وبالتالي فإن فارس كانت بلاد سنية مسلمة كباقي ديار المسلمين، قبل أن تقوم فيها الدولة الصفوية سنة 907هـ/1501م، التي أحدثت فارقا في تاريخ البلاد، ومؤسسها إسماعيل الصفوي الذي ندب نفسه لمحاربة السنة المسلمين واستئصالهم، وإحلال المذهب الشيعي الاثنا عشري في إيران، فتأسست دولة الصفويين الشيعية الرافضية وتزعمها المتعصب الدموي الشاه إسماعيل، القادم من أردبيل بأذربيجان على رأس من غلاة الشيعة، استغلت التمزق السياسي لبلاد الفارس، لتقوم بإزاحة الإمارات التركمانية الموزعة في أنحاء الهضبة الإيرانية، وتقيم دولة شيعية إمامية شديدة الحقد على المسلمين (السنة).

وبدأ إسماعيل الصفوي سياساته في تشييع البلاد، فنشر عقيدته ومذهبه بحد السيف، وأفنى أعدادًا هائلة تقدر بعشرات ومئات الآلاف من أهل السنة، وقد عُرِف الشاه إسماعيل بقسوته البالغة وشدة بطشه على معارضيه حتى أنه قتل والدته، وكانت أساليبه وحشية حيث كان يستخرج جثت أعداءه ويحرقها ليشفي غليل حقده وانتقامه، واستطاع بذلك العمل تحويل إيران السنية إلى بلاد شيعية المذهب ورافضية العقيدة، وعلى المستوى الاجتماعي والسياسي فقد صارت فارس دولة نشاز عن محيطها الإسلامي في آسيا الوسطى، فتحول فيها أهل السنة من الأكثرية الغالبة إلى أقلية قليلة مضطهدة.

ولم تقتصر جرائم الصفوي إسماعيل على إيران وحدها بل امتدت إلى خارجها فهاجم العراق واحتل بغداد وفتك بأهلها السنة، كما أنه حارب الدولة العثمانية وأربك جهادها في أوروبا، وتآمر مع القوى الصليبية الأوروبية ضد العثمانيين، بالإضافة إلى أنه توسع إلى جهة خراسان، وقاتل الأوزبك السنة في منطقة ما وراء النهر وأنهك هذه البلاد، مما جعل منها لقمة سائغة أمام الروس الذي تقدموا فيها بعد ذلك، وتوفي إسماعيل الصفوي عام 930هـ، وسار خلفاؤه الصفويين على منهاجه الإجرامي في حق إيران وفارس.

وحتى بعد سقوط دولة الصفويين عام 1148هـ/1736م، فقد ورثت الدولة القاجارية مجتمعا شيعيا معاديا للمسلمين السنة، وعرفت فارس سيطرة علمانية فرضها النظام البهلوي في القرن العشرين، إلا أنها لم تستمر إذ انبعثت الصفوية من جديد في ثورة 1979م المغلفة بالطابع الشيعي الإمامي والقومي الفارسي.

 وقامت جمهورية إيران الخمينية في طريقها نحو استعادة الدولة الصفوية بل والإمبراطورية الفارسية القديمة، فهي تمارس حاليا حقدا وبغضا شديدا ضد أهل السنة، كما أنها عمليًا تقوم بالغزو الداخلي للعالم الإسلامي، فقد عادت إلى صفويتها التاريخية بالتآمر على أفغانستان والتدخل في العراق واليمن ثم لبنان وسوريا، كما أنها لم تتوانى في اعتراض الثورات والحركات التحررية وتستغل بعضها لنشر التشيع وفرض هيمنتها الإقليمية.

المصادر:

محمد سهيل طقوش، تاريخ الدولة الصفوية

حسين مؤنس، أطلس تاريخ الإسلام