في عام 1916 أراد السلطان حسين كامل تكريم طه حسين بعد عودته من بعثته التعليمية فتقرر لذلك احتفالاً يوم جمعة  يحضره الوزراء وكبار البلد  بمسجد المبدولى بجانب قصر عابدين

وجلبوا للاحتفال خطيباً مشهوراً بتقعره وفصاحته اسمه محمد المهدي وصعد الخطيب المنبر وأراد  أن ينافق فيمدح سلطان مصر بعد إكرامه طه حسين (الكفيف) والاحتفاء به، فقال (لا عبس ولا تولّى لما جاءه الأعمى)!!

وكان من بين الحاضرين  يومها الشيخ محمد شاكر، وكيل الأزهر في زمانه -رحمه الله- ووالد محدث مصر المشهور أحمد شاكر، رحمه الله.

فانتفض الشيخ محمد شاكر واقفاً غضباً لله ورسوله بكل شجاعة وقوة وحسم 

وقال لجموع الناس: أعيدوا جمعتكم ظهراً فإن الخطيب كفر، فأعادوها..

(من ينكر المنكر في حضرة الحكام الطغاة الآن؟ )

ذلك بأن الخطيب شتم رسول الله تعريضاً لا تصريحاً.

لأن الله سبحانه عتب على رسوله حين جاءه ابن أم مكتوم الأعمى، وهو يحدث بعض صناديد قريش يدعوهم إلى الإسلام،

فأعرض عن الأعمى قليلاً حتى يفرغ من حديثه، فأنزل الله عتاب رسوله في قوله تعالى: (عبس وتولى، أن جاءه الأعمى)..

ولم يكتف الشيخ محمد شاكر بذلك بل أرسل رسالة إلى سلطان مصر بلّغه بهذا الحكم (كفر الخطيب وبطلان الصلاة،)

 فأوعز بعض المنافقين للخطيب برفع قضية ضد الشيخ محمد شاكر باعتبار أنه شهّر به أمام الناس.

ولما علم  الشيخ  محمد شاكر -رحمه الله-  انه تم رفع دعوى ضده لم يبالِ ولم يهتز ولم يبحث عن تبرير أو واسطة

بل قال : أنا لا أريد في تلك القضية  علماء الأزهر ولا علماء اللغة العربية، بل أريد مستشرقين يكفرون بالله العظيم، ويعرفون اللغة العربية ليقولوا لنا، هل ما قاله الخطيب يعتبر تعريضًا بالنبي أم لا؟..

يقصد أن الخطيب يقول عن السلطان أنه ما عبس وما تولّى، في حين أن رسول الله عبس وتولى.

الخطيب سحب قضيته

ووصل للسلطان موقف الشيخ محمد شاكر وتأييد كثير من القضاة والشيوخ لموقفه فعمل على غلق الموضوع حتى لا يتطاير شرره في البلاد ويهتز الحكم فأمر فسحب الخطيب قضيته.. وبعدها فصل من عمله..

 وقد ذكر القصة  الشيخ أحمد الشاكر المحدث الكبير ابن العلامة محمد شاكر في مقاله  المعنون جهل وسوء أدب، ثم إصرار وقِحة وغرور.

وقد كتبه في مقال ردّا على الكاتب محمد ذكى عبد القادر ثم أردف القصة بتهديد ووعيد وعظة لمحمد ذكى عبد القادر (مثل إبراهيم عيسى) بما حدث للخطيب الذي تطاول على مقام رسول الله فقال:

ولكن الله لم يدع لهذا المجرم جرمه في الدنيا، قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى،

فأقسم بالله لقد رأيته بعيني رأسي بعد بضع سنين، وبعد أن كان متعاليًا منتفخًا معتزًّا بمن لاذ بهم من العظماء والكبراء،

رأيته ذليلا مهينًا، خادمًا على باب مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها، في ذلة وصغار،

حتى لقد خجلت أن يراني، وأنا أعرفه وهو يعرفني، لا شفقة عليه، فما كان موضعًا للشفقة، ولا شماتة فيه، فالرجل النبيل يسمو على الشماتة، لكن لما رأيت من عبرة وموعظة ..

صدق الله العظيم (إنا كفيناك المستهزئين.)

تلك القصة يوم أن كان في الأزهر رجالاً لا يخشون إلا الله

اليوم الشيوخ في مصر والسعودية وبلاد المسلمين يتقربون للحكام بنفاقهم  إلا ما رحم ربى.